للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هنا بقوله: (غَيْرَ يَحْيَى) القطّان، فقوله: "وفي حديثهم" خبر مقدّم لقوله: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ ذَلِكَ) فهو مبتدأ مؤخّر محكيّ؛ لِقَصْد لفظه، والمعنى: أن الخمسة قالوا: عن المستورد قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأما يحيى، فقال: سمعت مستوردًا يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وقوله: (وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ) خبر مقدّم أيضًا، وقوله: (عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ، أَخِي بَنِي فِهْرٍ) مبتدأ مؤخّر، وقوله: (وَفِي حَدِيثِهِ أَيْضًا)؛ أي: في حديث أبي أسامة، والجارّ والمجرور خبر مقدّم أيضًا عن قوله: (قَالَ) أبو أسامة: (وَأَشَارَ إِسْمَاعِيلُ) بن أبي خالد (بِالإِبْهَامِ)؛ أي: بدل قول يحيى: بالسبّابة. قال النوويّ -رحمه الله-: وفي رواية: "وأشار إسماعيل بالإبهام" هكذا هو في نُسخ بلادنا: "بالإبهام"، وهي الإصبع العظمى المعروفة، كذا نقله القاضي عن جميع الرواة، إلا السمرقنديّ، فرواه "البهام"، قال: وهو تصحيف؛ لأن البهام جمع بهمة، وهي صغار الضأن، قال القاضي: ورواية السبابة أظهر من رواية الإبهام، وأشبه بالتمثيل؛ لأن العادة الإشارة بها، لا بالإبهام، ويَحْتَمِل أنه أشار بهذه مرة، وهذه مرة، و"اليمّ": البحر.

وقوله: "بم ترجع" ضبطوا "ترجع" بالمثناة فوقُ، والمثناة تحتُ، والأول أشهر، ومن رواه بالمثناة تحتُ أعاد الضمير إلى "أحدكم"، والمثناة فوقُ أعاده على الإصبع، وهو الأظهر، ومعناه: لا يَعْلَق بها كثير شيء من الماء.

ومعنى الحديث: ما الدنيا بالنسبة إلى الآخرة في قِصَر مدّتها، وفناء لذّاتها، ودوام الآخرة، ودوام لذاتها، ونعيمها، إلا كنسبة الماء الذي يَعْلَق بالإصبع إلى باقي البحر. انتهى (١).

قال الجامح عفا الله عنه: الحديث إشارة إلى قوله -عز وجل-: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة: ٣٨]، وقوله: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: ١٨٥]، وقوله: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤)} [العنكبوت: ٦٤]، وقوله: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ


(١) "شرح النوويّ" ١٧/ ١٩٢ - ١٩٣.