للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مستأنف؛ أي: من جملة ما علّمني، (يَوْمِي هَذَا)؛ أي: في اليوم الحاضر؛ أي: بما أوحى الله إليّ في هذا اليوم بخصوصه. (كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ)؛ أي: أعطيته (عَبْدًا) من عبادي، وملكته إياه، فلا يدخل الحرام، (حَلَالٌ)؛ أي: فلا يستطيع أحد أن يحرّمه من تلقاء نفسه، ويمنعه من التصرف فيه تصرّف المُلّاك في أملاكهم، وهذا من مقول الله تعالى كما يدل عليه قوله: "وإني خلقت عبادي إلخ"، قاله القاري -رحمه الله- (١).

وقال النوويّ -رحمه الله-: معنى "نحلته": أعطيته، وفي الكلام حذف؛ أي: قال الله تعالى: كلّ مال أعطيته عبدًا من عبادي، فهو له حلال، والمراد: إنكار ما حرّموا على أنفسهم من السائبة، والوصيلة، والبحيرة، والحامي، وغير ذلك، وأنها لم تَصِرْ حرامًا بتحريمهم، وكل مال ملكه العبد، فهو له حلال، حتى يتعلق به حقّ. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: معنى "نحلته": أعطيته، والنِّحلة: العطية -كما تقدَّم- ويعني بها هنا: العطية بطريق شرعيّ، فكأنه قال: كل من ملّكته شيئًا بطريق شرعيّ قليلًا كان أو كثيرًا، خطيرًا كان أو حقيرًا، فالانتفاع له به مباح مطلقًا، لا يُمنَع من شيء منه، ولا يزاحَم عليه، والمال هنا: كل ما يُتَمَوَّل، ويُتَمَلَّك من سائر الأشياء، وفائدة هذه القضية الكلية رَفْع توهّم من يتوهم أن ما يُستلذّ، ويُستطاب من رفيع الأطعمة، والملابس، والمناكح، والمساكن محرّم، أو مكروه، وإن كان ذلك من الكسب الجائز، كما قد ذهب إليه بعض غلاة المتزهدة. انتهى (٣).

(وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ) جمع حَنيف، وهو: المائل عن الأديان كلّها إلى فطرة الإسلام، وهذا نحو قوله -صلى الله عليه وسلم-: "كل مولود يولد على الفطرة"، وقد تقدَّم في "كتاب القدر"، قاله القرطبيّ -رحمه الله- (٤).

وقال النوويّ -رحمه الله-: قوله: "حنفاء"؛ أي: مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي، وقيل: مستقيمين، منيبين لقبول الهداية، وقيل: المراد: حين أَخَذ عليهم العهد في الذرّ، وقال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: ١٧٢] (٥).


(١) "مرقاة المفاتيح" ٩/ ٥٥٣.
(٢) "شرح النوويّ" ١٧/ ١٩٧.
(٣) "المفهم" ٦/ ٧١١ - ٧١٢.
(٤) "المفهم" ٦/ ٧١٢.
(٥) "شرح النوويّ" ١٧/ ١٩٧.