أحد شيخيه: مطرِّف، أو ابن أبجر، وهو عبد الملك بن سعيد بن حيّان بن أبجر، وقوله:(أُرَاهُ ابْنَ أَبْجَرَ) أي أظنّ الذي رفعه هو ابن أبجر.
قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: معناه: أن أحدهما رفعه، وأضافه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والآخر وقفه على المغيرة، فقال:"عن المغيرة قال: سأل موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -"، والضمير في "أحدهما" يعود على مُطَرِّف، وابن أبجر، شيخي سفيان، فقال أحدهما:"عن الشعبيّ، عن المغيرة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: سأل موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -"، وقال الآخر:"عن الشعبيّ، عن المغيرة قال: سأل موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -"، قال: ثم إنه يحصل من هذا أن الحديث رُوِيَ مرفوعًا وموقوفًا، وقد قدمنا في الفصول المتقدّمة في أول الكتاب أن المذهب الصحيح المختار الذي عليه الفقهاء، وأصحاب الأصول، والمحققون من المحدثين، أن الحديث إذا رُوي متصلًا، ورُوي مُرسلًا، ورُوي مرفوعًا، ورُوي موقوفًا، فالحكم للموصول والمرفوع؛ لأنها زيادة ثقة، وهي مقبولة عند الجماهير، من أصحاب فنون العلوم، فلا يقدح اختلافهم ههنا في رفع الحديث ووقفه، لا سيما وقد رواه الأكثرون مرفوعًا. انتهى كلام النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - من تقديم المرفوع والموصول دائمًا، ونسبه إلى الجماهير، وإلى المحقّقين، قد تقدّم الردّ عليه، وأن مذهب المحقّقين، والحفّاظ المتقنين، كشعبة، والقطان، وابن مهديّ، وابن حنبل، وابن معين، والبخاري، ومسلم، وأبي زرعة، وأبي حاتم، وابن خزيمة، والدارقطنيّ، وغيرهم من نَقَدَة الأخبار، والجهابذة الأحبار أنهم لا يُطلقون القول في ذلك، بل يسلكون مسلك التدقيق، والبحث عن القرائن المحتفّة بالحديث، فإذا ترجّح لديهم أحد الأمرين قدّموه، سواء كان الرفع، والوصل، أو الوقف، والإرسال.
والحاصل أن لهم دراسة خاصّة في كلّ حديث يحكمون بما يترجّح لديهم، وأما القول: بالإطلاق الذي قاله النوويّ، فإنه ليس مذهب المحقّقين، وإنما سلكه بعض أهل العلم، وهو الذي يسلكه دائمًا ابن حبّان، وابن حزم،