للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً؟) أي فما أعلى أهل الجنّة منزلة؟، وفي رواية أبي عوانة في "مسنده": "أي ربّ، فأيّ أهل الجنّة أرفع منزلةً؟ " (قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ) بضم التاء للمتكلّم، ومعناه: اخترتُ واصطفيتُ، قاله النوويّ، وفي رواية أبي عوانة: "قال: إياها أردتُ، وسأحدّثك عنهم" (غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا) قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: معناه اصطفيتهم، وتوليتهم، فلا يتطَرَّق إلى كرامتهم تغيير. انتهى.

(فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ) حُذِف مفعول هذه الأفعال اختصارًا؛ للعلم به، تقديره: "ما أكرمتهم به، وأعددته لهم".

(قَالَ) الضمير للشعبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -، كما بيّنته رواية ابن منده، ولفظه: "قال الشعبيّ"، فبيانها في كتاب الله القرآن: {فَلَا تَعْلَمُ} الآية (١)، وستأتي الرواية في التنبيه الآتي (وَمِصْدَاقُهُ) بكسر الميم: أي دليله، وما يُصَدّقه (فِي كِتَابِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -) قوله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)} الآية [السجدة: ١٧]) أي فلا يعلم أحدٌ عظمة ما أخفى الله تعالى لهم في الجنّات من النعيم المقيم، واللذات التي لم يطّلع على مثلها أحدٌ، لَمَّا أَخْفَوا أعمالهم أخفى الله لهم من الثواب جزاءً وفاقًا، فإن الجزاء من جنس العمل، قال الحسن - رَحِمَهُ اللهُ -: أخفى قوم عملهم، فأخفى الله تعالى لهم ما لم تَرَ عينٌ، ولم يخطر على قلب بشر (٢).

ومعنى "أُخِفي": خُبِئ، وسُتِر، و"القرّة": بمعنى: اسم الفاعل: أي ما يَحصُلُ به القَرِير: أي الفَرَح والسرور، أي فلا يلتفتون إلى غيره.

فقوله: {أُخْفِيَ} فيه قراءتان سبعيّتان: قرأ حمزة {أُخْفِيَ} فعلًا مضارعًا مسندًا لضمير المتكلّم، فلذلك سُكّنت ياؤه؛ لأنه مرفوع، وقرأ الباقون (أخفيَ) فعلًا ماضيًا مبنيًّا للمفعول، فمن ثَمّ فُتِحت ياؤه.

و"ما" يَحْتَمِل أن تكون موصولةً: أي لا تَعلَم الذي أخفاه الله تعالى.

ويَحْتَمِلُ أن تكون استفهاميّةً معلِّقَةً لـ {تَعْلَمُ}، فإن كانت متعدّية لاثنين سدّت مسدّهما، أو لواحد سدّت مسدّه، وإذا كانت استفهاميّة فعلى قراءة من


(١) "الإيمان لابن منده" ٢/ ٨٢٢ رقم (٨٤٦).
(٢) راجع: "تفسير ابن كثير" ١١/ ٩٨.