للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"حسابًا" منصوب على أنه مفعول مطلق، و"يسيرًا" صفته (فَقَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم-: ("لَيْسَ ذَاكِ) بكسر الكاف؛ لأنه خطاب للمؤنث، والأصل فيه "ذا" وهو اسم يُشار به إلى المذكر، فإن خاطبت جئت بالكاف، فقلت: ذاك، وذلك فاللام زائدة، والكاف للخطاب، وهو مبتدأ خبره قوله: (الْحِسَابُ، إِنَّمَا ذَاكِ الْعَرْضُ)؛ أي: عَرْض الناس على الميزان، (مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذِّبَ") وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معنى "نوقش" استُقصي عليه، قال القاضي عياض: وقوله: "عُذِّب" له معنيان: أحدهما: أن نفس المناقشة، وعَرْض الذنوب، والتوقيف عليها هو التعذيب؛ لِمَا فيه من التوبيخ، والثاني: أنه مفضٍ إلى العذاب بالنار، ويؤيده قوله في الرواية الأخرى: "هلك" مكان "عذِّب"، قال النوويّ بعد نقل كلام عياض هذا: وهذا الثاني هو الصحيح، ومعناه: أن التقصير غالب في العباد، فمن استُقصي عليه، ولم يسامَح هلك، ودخل النار، ولكن اللَّه تعالى يعفو، ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء. انتهى (١).

قال في "العمدة": قوله: "عُذِّب" له معنيان: أحدهما: أن نفس مناقشة الحساب يوم عَرْض الذنوب، والتوقيف على قبيح ما سلف له تعذيب، وتوبيخ، والآخر أنه مُفْضٍ إلى استحقاق العذاب؛ إذ لا حسنة للعبد يعملها إلا من عند اللَّه تعالى، وبفضله، وإقداره له عليها، وهدايته لها، وأن الخالص لوجهه تعالى من الأعمال قليل، ويؤيده قوله في الرواية الأخرى: "هَلَك" مكان "عُذِّب". انتهى (٢).

وقال في "الفتح": قوله: "نوقش" بالقاف، والمعجمة، من المناقشة، وأصلها الاستخراج، ومنه نَقَشَ الشوكةَ: إذا استخرجها، والمراد هنا: المبالغة في الاستيفاء، والمعنى: أن تحرير الحساب يُفضي إلى استحقاق العذاب؛ لأن حسنات العبد موقوفة على القبول، وإن لم تقع الرحمة المقتضية للقبول، لا يحصل النجاة، واللَّه تعالى أعلم (٣).


(١) "شرح النوويّ" ١٧/ ٢٠٨ - ٢٠٩.
(٢) "عمدة القاري" ٢/ ١٣٧.
(٣) "الفتح" ١/ ٣٤٥ - ٣٤٦ رقم (١٠٣).