للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومعاوية -رضي اللَّه عنهما- لمّا تحاربا بصِفِّين (١). (عَظِيمَتَانِ)؛ أي: لأنهما خلاصة الأمة، وأهل القرون المفضّلة، (وَتَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ) "المقتلة" بفتح الميم، مصدر ميميّ؛ أي: قتلٌ عظيمٌ، فإن كان المراد من الفئتين فئة عليّ وفئة معاوية -رضي اللَّه عنهما-، كما زعموا فقد قُتل بينهما، وحَكَى ابن الجوزي في "المنتظم" عن أبي، الحسن البراء قال: قُتل بصِفّين سبعون ألفًا، خمسة وعشرون ألفًا من أهل العراق، وخمسة وأربعون ألفًا من أهل الشام، فمن أصحاب أمير المؤمنين عليّ خمسة وعشرون بدريًّا، وكان المقام بصفين مائة يوم وعشرة أيام، وكانت فيه تسعون وقعةً، وحُكي عن ابن سيف أنه قال: أقاموا بصفين تسعة، أو سبعة أشهر، وكان القتال بينهم سبعين زحفًا، قال: وقال الزهريّ: بلغني أنه كان يُدفن في القبر الواحد خمسون رجلًا، ذكره في "العمدة" (٢).

(وَدَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ")؛ أي: دينهما واحدٌ؛ لأن كلًّا منهما كان يتسمى بالإسلام، أو المراد: أن كلًّا منهما كان يَدّعِي أنه المحقّ، وذلك أن عليًّا -رضي اللَّه عنه- كان إذ ذاك إمام المسلمين، وأفضلهم يومئذ باتفاق أهل السُّنَّة، ولأن أهل الحلّ والعقد بايعوه بعد قتل عثمان -رضي اللَّه عنه-، وتخلف عن بيعته أهل الشام.

وقال الكرمانيّ: "دعواهما واحدة أي: يدعي كل منهما أنه على إلى حق، وخصمه مبطل، ولا بدّ أن يكون أحدهما مصيبًا، والآخر مخطئًا، كما كان بين عليّ ومعاويّة -رضي اللَّه عنهما-، وكان عليّ -رضي اللَّه عنه- هو المصيبَ، ومخالفه مخطئ معذور في الخطأ؛ لأنه بالاجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه، وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر". انتهى. قال في "العمدة": وفيه نظر، وهو موضع التأمل، بل الأحسن السكوت عن ذلك. انتهى (٣).

وقال في "الفتح": قوله: "فئتان" بكسر الفاء، بعدها همزة مفتوحة: تثنية فئة؛ أي: جماعة، ووصفهما في الرواية الأخرى بالعِظَم؛ أي: بالكثرة، والمراد بهما: من كان مع عليّ ومعاوية لمّا تحاربا بصفين.

وقوله: "دعواهما واحدة"؛ أي: دينهما واحد؛ لأن كلًّا منهما كان


(١) "عمدة القاري" ١٦/ ١٤١.
(٢) "عمدة القاري" ١٦/ ١٤١.
(٣) "عمدة القاري" ١٦/ ١٤١.