للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مجلس فيه غيره، فماتوا، وبقي هو وحده، ولقوله في الحديث الآخر: "نسيه من نسيه"، وقد يُخَرَّج للرواية وجه، أن يكون قوله: وما بي من عذر في التحدث بها، والإعلام، إلَّا ما أسرّ إليّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ذلك، مما لَمْ يعلمه غيري، ولعله حدّ له أن لا يُذيعه، أو رأى ذلك من المصلحة. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "ما بي إلَّا أن يكون رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " كذا وقع هذا اللفظ، وكذا صحّ في الرواية: "وما بي إلَّا أن يكون" بـ "إلَّا" الإيجابية، و"أن" المصدرية، فقيل: الوجه إسقاط "إلَّا "؛ لأنَّ مقصود الكلام أن حذيفة - رضي الله عنه - أخبر عن نفسه بأنه يعلم كل فتنة تكون بين يدي الساعة، فيظن سامع هذا القول أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسرّ إليه من ذلك بشيء لَمْ يسرّه إلى غيره، فنفى هذا الظنّ بذلك القول، ثم نبّه على سبب علمه بذلك، فقال: "ولكن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال، وهو يحدّث مجلسًا أنا فيه عن الفتن"، فيعني بذلك أنه سمع من النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك المجلس مع الناس، لكنه حَفِظ ما لَمْ يحفظ غيره، وضَبَط ما لَمْ يضبط غيره، كما قال في الحديث الآتي.

وقيل: "إلَّا" ثابتة في الرواية، فلا سبيل إلى تقدير إسقاطها، ومعنى الكلام مع ثبوتها: وما بي عذرٌ في الإعلام بجميعها، والحديث عنها، إلَّا ما أسرّ إليّ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا لَمْ يُحَدّث به غيري، فيكون في كلامه إشارة - رضي الله عنه - إلى أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَهِد إليه، وأسرّ له ألا يحدّث بكل ما يعلمه من الفتن، أو لا يُذيعه إن رأى في ذلك مصلحة، وهذا أَولى؛ لِمَا ذكرناه من ثبوت الرواية، ولأن المعلوم من حال حذيفة أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خصّه من العلم بالفتن، وأسرّ إليه منها بما لَمْ يخصّ به غيره، وأما ما لَمْ يسرّه إليه، ولا خصّه به، فهو الذي يحدث به، كما جاء متصلًا بقوله: "لكن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال، وهو يحدّث مجلسًا أنا فيهم عن الفتن"، والله تعالى أعلم. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن من تحقيق القرطبيّ الأخير من أن إثبات "لا" صواب، وأن المعنى عليه، هو الوجه الصحيح، وخلاصة ذلك أن


(١) "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" ١/ ٧١.
(٢) "المفهم" ٧/ ٢٢٢ - ٢٢٣.