قال الحافظ: وليس الذي قاله بِبَيِّن، والذي يظهر أن النهي عن أخذه لِمَا ينشأ عن أخذه من الفتنة، والقتال عليه.
وقوله: وإذا ظهر جبل من ذهب إلخ في مقام المنع، وإنما يتم ما زعم من الكساد أن لو اقتسمه الناس بينهم بالسوية، ووَسعهم كلهم، فاستغنوا أجمعين، فحينئذ تبطل الرغبة فيه، وأما إذا حواه قوم دون قوم، فحِرْصُ من لَمْ يحصل له منه شيء باق على حاله.
ويَحْتَمِل أن تكون الحكمة في النهي عن الأخذ منه؛ لكونه يقع في آخر الزمان عند في الحشر الواقع في الدنيا، وعند عدم الظهور، أو قلّته فلا ينتفع بما أُخذ منه، ولعل هذا هو السر في إدخال البخاري له في ترجمة خروج النار، قال: ثم ظهر لي رجحان الاحتمال الأول؛ لأنَّ مسلمًا أخرج هذا الحديث أيضًا من طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ:"يحسر الفرات عن جبل من ذهب، فيُقتل عليه الناس، فيُقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو".
وأخرج مسلم أيضًا عن أُبي بن كعب قال:"لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا، سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: يوشك أن يحسر الفرات عن جبل من ذهب، فإذا سمع به الناس ساروا إليه، فيقول من عنده: لئن تركنا الناس يأخذون منه ليذهبُنّ به كلِّه، قال: فيقتتلون عليه، فيُقتل من كل مائة تسعة وتسعون" فبَطَل ما تخيّله ابن التين، وتوجه التعقب عليه، ووضح أن السبب في النهي عن الأخذ منه ما يترتب على طلب الأخذ منه من الاقتتال، فضلًا عن الأخذ، ولا مانع أن يكون ذلك عند خروج النار للمحشر، لكن ليس ذلك السبب في النهي عن الأخذ منه.
وقد أخرج ابن ماجه عن ثوبان، رفعه:"قال: يُقتل عند كنزكم ثلاثة، كلهم ابن خليفة. . ." فذكر الحديث في المهديّ، فهذا إن كان المراد بالكنز فيه: الكنز الذي في حديث الباب دلّ على أنه إنما يقع عند ظهور المهديّ، وذلك قبل، نزول عيسى - عَلَيْهِ السَّلَام -، وقبل خروج النار جزمًا، والله تعالى أعلم.
والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى تخريجه، ولله الحمد والمنّة.