للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أحدهما: لإسلامهم، فتسقط عنهم الجزية، وهذا قد وُجد.

والثاني: وهو الأشهر، أن معناه: أن المعجم والروم يستولون على البلاد في آخر الزمان، فيمنعون حصول ذلك للمسلمين، وقد وَوَى مسلم هذا بعد هذا بورقات عن جابر - رضي الله عنه -: "قال: يوشك أن لا يجيء إليهم قفيز، ولا درهم، قلنا: من أين ذلك؟ قال: من قِبَل المعجم، يمنعون ذاك". وذكر في منع الروم ذلات بالشام مثله، وهذا قد وُجد في زماننا في العراق، وهو الآن موجود، وقيل: لأنهم يرتدّون في آخر الزمان، فيمنعون ما لزمهم من الزكاة وغيرها، وقيل: معناه أن الكفار الذين عليهم الجزية تقوى شوكتهم في آخر الزمان، فيمتنعون مما كانوا يؤدونه من الجزية والخراج، وغير ذلك. انتهى (١).

(وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ)؛ أي: رجعتم على الحالة الأولى التي كنتم عليها، من فساد الأمر، وافتراق الكلمة، وغلبة الأهواء، وذهاب الدين، وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "وَعُدْتم … إلخ" فهو بمعنى الحديث الآخر: "بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود كما بدأ"، وقد سبق شرحه في "كتاب الإيمان". انتهى (٢).

(وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ") كرّره ثلاث مرّات للتأكيد، (شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَدَمُهُ)؛ أي: صدّق بهذا الحديث، وشهد بصدقه كل جزء في أبي هريرة - رضي الله عنه -، ومعناه: أن هذا الحديث حقّ في نفسه، ولا بُدّ من وقوعه (٣).

وقال بعضهم: في تفسير المنع وجهان: أحدهما: أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنهم سَيُسلمون، وسيسقط ما وُظِّف عليهم بإسلامهم، فصاووا مانعين بإسلامهم ما وظِّف عليهم، واستُدل على ذلك بقوله: "وَعُدْتم من حيث بدأتم"؛ لأنَّ بَدْأهم في علم الله، وفي ما قضى وقدّر، أنهم سَيُسلمون، فعادوا من حيث بدأوا، وقيل في قوله: "منعت العراق درهمها" الحديث أنهم يرجعون عن الطاعة، وهذا وجه، وقد استَحسن الأول بعض العلماء، وكان يكون هذا لولا


(١) "شرح النوويّ" ١٨/ ٢٠.
(٢) "شرح النوويّ" ١٨/ ٢٠.
(٣) "المفهم" ٧/ ٢٣٠.