للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الزلازل، والطاعون، وبها يطلع قرن الشيطان"، رواه البخاريّ. انتهى كلام القاضي (١)، وهو بحث نفيسٌ.

وقال في "الفتح": وفي ذلك إشارة إلى شدّة كفر المجوس؛ لأن مملكة الفُرْس، ومن أطاعهم من العرب كانت من جهة المشرق بالنسبة إلى المدينة، وكَانوا في غاية القسوة والتكبّر والتجبّر حتى مزّق مَلِكهم كتاب النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فدعا عليهم أن يُمزَّقوا كلَّ مُمَزَّق، فمزّق اللَّه تعالى مُلْكهم (٢).

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: ما سبق عن القاضي أقرب وأحسن من هذه، فتأمّله بالإنصاف، واللَّه تعالى أعلم.

وقال الطيبيّ رحمه اللَّه تعالى: قوله: "رأس الكفر نحو المشرق" نحو قوله: "رأسُ الأمر الإسلام أي: ظهور الكفر من قبل المشرق، والمراد باختصاص المشرق به: مزيد تسلّط الشيطان على أهل المشرق، وكان ذلك في عهده -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويكون حين يخرج الدجّال من المشرق؛ فإنه منشأ الفتن العظيمة، ومثار الْكَفَرة التُّرْك. انتهى.

وقال ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أما قوله: "رأس الكفر نحو المشرق" فهو أن أكثر الكفر وأكبره كان هناك؛ لأنهم كانوا قومًا لا كتاب لهم، وهم فارس، ومن وراءهم، ومن لا كتاب له فهو أشدّ كفرًا من أهل الكتاب؛ لأنهم لا يعبدون شيئًا، ولا يتبعون رسولًا، فهذا -واللَّه أعلم- معنى قوله: "رأس الكفر نحو المشرق". انتهى (٣).

وقوله: (مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ") تقدّم شرحه في الحديث الذي قبله، وقوله: (يَعْنِي: الْمَشْرِقَ)؛ أي: يقصد النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بقوله: "ها هنا" جهة المشرق، وهذه العناية توضيح من بعض الرواة، ويَحْتمل أن يكون ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، أو من دونه، واللَّه تعالى أعلم.

والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى القول فيه مستوفًى، وللَّه الحمد والمنّة.


(١) "إكمال المعلم" ١/ ٣١١ - ٣١٢.
(٢) راجع: "الفتح" ٦/ ٤٢٤، "كتاب بدء الخلق" رقم (٣٣٠٠).
(٣) "التمهيد" لابن عبد البر ١٨/ ١٤٢.