قال: ووجدت في هذا مناظرة لعقبة بن عامر، ومحمد بن مسلمة، فأخرج الحاكم من رواية عبد الرحمن بن شِماسة، أن عبد اللَّه بن عمرو قال:"لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، هم شرّ من أهل الجاهلية" فقال عقبة بن عامر: عبدُ اللَّه أعلم ما يقول، وأما أنا فسمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول:"لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر اللَّه، ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم"، حتى تأتيهم الساعة، وهم على ذلك"، فقال عبد اللَّه: أَجَلْ، ويبعث اللَّه ريحًا ريحها ريح المسك، ومسّها مسّ الحرير، فلا تترك أحدًا في قلبه مثقال حبة من إيمان، إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس، فعليهم تقوم الساعة".
فعلى هذا فالمراد بقوله في حديث عقبة:"حتى تأتيهم الساعة" ساعتهم هم، وهي وقت موتهم بهبوب الريح، واللَّه أعلم. انتهى كلام الحافظ (١) -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي ذكره الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا.
خلاصته: أنه لا تنافي بين قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "حتى تأتيهم الساعة، وهم على ذلك"، وبين قصّة الريح الليّنة، فإن تلك الريح هي الساعة في حقّهم، فهم يقومون على القتال في سبيل اللَّه إلى أن تهبّ تلك الريح، فتقبض أرواح جميعهم، فعند ذلك يبقى شرار الناس، فعليهم تقوم الساعة، فلا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، وهذا فضل اللَّه تعالى عظيم، حيث لا يرى المؤمن أهوال قيام الساعة، {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الحديد: ٢١].
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [١٧/ ٧٢٧١](٢٩٠٦)، و (البخاريّ) في "الفتن"(٧١١٦)، و (عبد الرزّاق) في "مصنّفه"(٢٠٧٩٥)، و (أحمد) في "مسنده"(٢/ ٢٧١)، و (ابن حبّان) في "صحيحه"(٦٧٤٩)، و (ابن أبي عاصم) في "السنّة"(٧٧ و ٧٨)، و (الطبرانيّ) في "مسند الشاميين"(٤/ ١٦٦)، و (الدانيّ) في "السنن