مكة والمدينة، وأن ابن صياد دخل المدينة، وهو متوجه إلى مكة، فلا دلالة له فيه! لأن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما أخبر عن صفاته وقت فتنته، وخروجه في الأرض.
ومن اشتباه قصته، وكونه أحدَ الدجاجلة الكذابين قوله للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أتشهد أني رسول اللَّه"، ودعواه أنه يأتيه صادق وكاذب، وأنه يرى عرشًا فوق الماء، وأنه لا يَكره أن يكون هو الدجال، وأنه يعرف موضعه، وقوله: إني لأعرفه، وأعرف مولده، وأين هو الآن، وانتفاخه حتى ملأ السِّكّة، وأما إظهاره الإسلام، وحجه، وجهاده، وإقلاعه عما كان عليه فليس بصريح في أنه غير الدجال.
قال الخطابي: واختَلف السلف في أمره بعد كِبَره، فرُوي عنه أنه تاب من ذلك القول، ومات بالمدينة، وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى رآه الناس، وقيل لهم: اشهدوا.
قال: وكان ابن عمر وجابر فيما رُوي عنهما يحلفان أن ابن صياد هو الدجال، لا يشكان فيه، فقيل لجابر: إنه أسلم، فقال: وإن أسلم، فقيل: إنه دخل مكة، وكان في المدينة، فقال: وإن دخل.
ورَوَى أبو داود في "سننه" بإسناد صحيح عن جابر قال: فقدنا ابن صياد يوم الحرّة، وهذا يُبْطل رواية من روى أنه مات بالمدينة، وصُلي عليه.
وقد روى مسلم في هذه الأحاديث أن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- حلف باللَّه تعالى أن ابن صياد هو الدجال، وأنه سمع عمر -رضي اللَّه عنه- يحلف على ذلك عند النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلم يُنكره النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وروى أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يقول: واللَّه ما أشك في أن ابن صياد هو المسيح الدجال.
قال البيهقيّ في كتابه "البعث والنشور": اختَلَف الناس في أمر ابن صياد اختلافًا كثيرًا، هل هو الدجال؟، قال: ومن ذهب إلى أنه غيره احتج بحديث تميم الداريّ في قصة الجساسة الذي ذكره مسلم بعد هذا، قال: ويجوز أن تُوافق صفة ابن صياد صفة الدجال، كما ثبت في "الصحيح" أن أشبه الناس بالدجال عبد العزى بن قطن، وليس هو هو.