مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو) -رضي اللَّه عنهما- (وَ) الحال أنه قد (جَاءَهُ رَجُلٌ) وفي نسخة: "وجاء رجلٌ"، ولم يسمّ ذلك الرجل. (فَقَالَ) ذلك الرجل لعبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما-: (مَا هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي تُحَدِّثُ بِهِ) الناسَ، ثم بيّن الحديث بقوله:(تَقُولُ: إِنَّ السَّاعَةَ)؛ أي: القيامة، (تَقُومُ إِلَى كَذَا وَكَذَا؟) كناية شيء مبهم. (فَقَالَ) عبد اللَّه بن عمرو للرجل: (سُبْحَانَ اللَّهِ) تعجّبًا من قول الرجل، (أَوْ لَا إلَهَ إِلَّا اللَّهُ)"أو" في الموضعين للشكّ من الراوي، (أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهُمَا)؛ أي: نحو "سبحان اللَّه"، أو "لا إله إلا اللَّه"، كقوله: اللَّه أكبر، وإنما قال عبد اللَّه ذلك تعجبًا من اتهام الرجل له بالكذب على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم قال عبد اللَّه:(لَقَدْ هَمَمْتُ)؛ أي: واللَّه لقد قصدت (أَنْ لَا أُحَدِّثَ أَحَدًا شَيْئًا أَبَدًا)؛ أي: ما عشت في مستقبل الزمان، قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إنما قال ذلك عبد اللَّه؛ لأنهم نسبوا إليه ما لم يقل، فشقّ ذلك عليه، ثم إنَّه لمّا عَلِم أنه لا يجوز له ذلك، ذَكَر ما عنده من علم ذلك، فقال:(إِنَّمَا قُلْتُ) لكم (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدَ قَلِيلٍ) من الزمن (أَمْرًا عَظِيمًا)؛ أي: فظيعًا مما يدلّ على قرب الساعة، فمن ذلك أنه (يُحَرَّقُ) من التحريق، أو الإحراق، (الْبَيْتُ) الكعبة؛ لأنه صار عَلَمًا لها بالغلبة، كما قال ابن مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الخلاصة":
قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قد كان تحريق البيت في عهد ابن الزبير -رضي اللَّه عنهما-، وذلك أن يزيد بن معاوية وجّه من الشام مسلم بن عقبة في جيش عظيم لقتال ابن الزبير، فنزل بالمدينة، وقاتل أهلها، وهزمهم، وأباحها ثلاثة أيّام، وهي وقعة الحرّة، وقد قدّمنا ذكرها، ثم سار يريد مكّة، فمات بقُديد، وولِيَ الجيش الحصين بن نُمير، وسار إلى مكة، فحاصر ابن الزبير، وأحرقت الكعبة، حتى انهدم جدارها، وسقط سقفها، وجاء الخبر بموت يزيد، فرجعوا. انتهى.
وكان عبدا اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- إذ ذاك حيًّا، وروي أنه توفّي أيام تلك الفتنة، واللَّه تعالى أعلم.
(وَيَكُونُ)؛ أي: من الفتن (وَيَكُونُ) يعني أنه يقول: كنت ذكرت أشياء من الفتن التي ستقع قبل قيام الساعة، فمنها ما ذكرت من تحريق البيت، ومنها الدجّال، كما ذكره بقوله:(ثُمَّ قَالَ) عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه-: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَخْرُجُ