للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يبلى أيضًا، فلم يجعل "إلّا" للاستثناء، بل هي عاطفة، كالواو، فكأنه قال: وعجب الذنب، وقد حُكي إثبات هذا المعنى لـ "إلا" عن الأخفش، والفرّاء، وأبي عبيدة، وأنكره الجمهور، وأوّلوا ما استدلّوا به، ويردّه في هذا الموضع كونه عقّب ذلك بقوله: "منه خُلق، وفيه يركّب"؛ أي: أنه أول ما يُخلَقُ من الآدميّ، وهو الذي يبقى منه ليعاد تركيب الخلق عليه، فلو ساوى عجب الذنب غيره في البلاء لم يبق لهذا الكلام محلّ، والله تعالى أعلم.

٣ - (ومنها): أن ظاهر هذا الحديث يدلّ على أن عجب الذنب أول مخلوق من الآدميّ، وروي عن سلمان - رضي الله عنه - أنه قال: "أول ما خلق الله من آدم رأسه، فجعل ينظر، وهو يُخلَق". ذكره ابن عبد البرّ بإسناد منقطع، فلم يصحّ هذا، ولو صحّ عنه، فاتباع الحديث أَولى، وقد يقال: لا منافاة بينهما؛ لأن الحديث في ابن آدم، والأثر عن سلمان - رضي الله عنه - في آدم نفسه، فيمكن أن يكون أول مخلوق من آدم رأسه، ومن بنيه عجب الذنب. ويَحْتَمِل أن يكون أول مخلوق من آدم عجب الذنب كبنيه، ويكون معنى كلام سلمان إن صحّ عنه أن أول ما نفخ فيه الروح من آدم رأسه، ويوافق ذلك قول ابن جريج: يقولون: إن أول ما نُفخ في يأفوخ آدم، أفاده الحافظ وليّ الدين العراقيّ - رحمه الله - (١)، وهو بحث نفيس، والله تعالى أعلم.

وبالسند المتّصل إلى المؤلّف - رحمه الله - أوّلَ الكتاب قال:

[٧٣٨٥] (. . .) - (وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ - يَعْنِي: الْحِزَمِيَّ - عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ، إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ، مِنْهُ خُلِقَ، وَفِيهِ يُرَكَّبُ").

رجال هذا الإسناد: خمسة:

وكلهم تقدّموا قريبًا.

والحديث متّفق عليه، وقد مضى شرحه، وبيان مسائله قبله، ولله الحمد والمنّة.


(١) "طرح التثريب في شرح التقريب" ٣/ ٣٠٨.