للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأغرب النوويّ فنقل عن بعض العلماء أن مراد سعد بقوله: "فأصبحت بنو أسد" بنو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وفيه نظر؛ لأن القصة إن كانت هي التي وقعت في عهد عمر، فلم يكن للزبير إذ ذاك بنون يصفهم سعد بذلك، ولا يشكو منهم، فإن أباهم الزبير كان إذ ذاك موجودًا، وهو صديق سعد، وإن كانت بعد ذلك فيحتاج إلى بيان.

(تُعَزِّرُنِي)؛ أي: توقّفني، والتعزير: التوقيف على الأحكام والفرائض، قاله أبو عبيد الهرويّ.

وقال الطبريّ: معناه: تقوّمني، وتعلّمني، ومنه تعزير السلطان، وهو التقويم بالتأديب، والمعنى: أن سعدًا أنكر أهلية بني أسد لتعليمه الأحكام مع سابقيته، وقِدَم صحبته.

وقال الحربيّ: معنى تعزرني: تلومني، وتعتبني، وقيل: توبّخني على التقصير.

وقال القرطبيّ (١) بعد أن حكى ذلك: في هذه الأقوال بُعْدٌ عن معنى الحديث. قال: والذي يظهر لي أن الأليق بمعناه أن المراد بالتعزير هنا الإعظام والتوقير، كأنه وَصَفَ ما كانت عليه حالتهم في أول الأمر من شدة الحال، وخشونة العيش، والجهد، ثم إنهم اتسعت عليهم الدنيا بالفتوحات، ووَلُوا الولايات، فعظّمهم الناس لشهرتهم، وفضْلهم، فكأنه كَرِه تعظيم الناس له، وخص بني أسد بالذكر؛ لأنهم أفرطوا في تعظيمه، قال: ويؤيده أن في حديث عتبة بن غزوان الذي بعده في مسلم نحو حديث سعد في الإشارة إلى ما كانوا فيه من ضيق العيش، ثم قال في آخره: "فالتقطت بردة، فشققتها بيني وبين سعد بن مالك - أي: ابن أبي وقاص - فاتزرت بنصفها، واتزر سعد بنصفها، فما أصبح منا أحد إلا وهو أمير على مصر من الأمصار". انتهى. وكان عتبة يومئذ أمير البصرة، وسعد أمير الكوفة.

وتعقّبه الحافظ، وما أحسن تعقّبه، فقال: وهذا كله مردود؛ لِمَا ذكرته من أن بني أسد شَكَوْه، وقالوا فيه ما قالوا، ولذلك خصهم بالذكر.


(١) "المفهم" ٧/ ١٢١.