للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النوويّ - رحمه الله - (١): وروي "تضارون" بتشديد الراء، وتخفيفها، والتاء مضمومة فيهما، وفي الرواية الأخرى: "هل تضامون" بتشديد الميم، وتخفيفها، فمن شددها فتح التاء، ومن خففها ضمّها، وفي رواية البخاريّ: "لا تضارون، أو لا تضامون" على الشكّ، قال القاضي البيضاويّ - رحمه الله -: وفي "تضارون" المشدد من الضرر، والمخفف من الضير؛ أي: تكون رؤيته تعالى رؤية جلية بيّنة، لا تقبل مراء، ولا مرية، فيخالف فيها بعضكم بعضًا، ويكذبه، كما لا يشك في رؤية أحدهما؛ يعني: الشمس والقمر، ولا ينازع فيها، فالتشبيه إنما وقع في الرؤية باعتبار جلائها، وظهورها، بحيث لا يُرتاب فيها، ولا في سائر كيفياتها، لا في المرئيّ، فإنه سبحانه منزه عن الجسمية (٢)، وعما يؤدي إليها، وفي "تضامون" بالتشديد من الضمّ؛ أي: لا ينضم بعضكم إلى بعض في طلب رؤيته؛ لإشكاله، وخفائه، كما يفعلون في الهلال، أو لا يضمكم شيء دون رؤيته، فيحول بينكم وبينها، وبالتخفيف من الضيم؛ أي: لا ينالكم ضيم في رؤيته، فيراه بعض دون بعض، بل يستوون فيها، وأصله: تُضْيَمُون، فنُقلت فتحة الياء إلى الضاد، فصارت ألفًا؛ لسكونها، وانفتاح ما قبلها، وكذلك "تُضارُون" بالتخفيف، وأما المشدد فيَحْتَمِل أن يكون مبنيًا للفاعل، على معنى: لا تضارون؛ أي: تتنازعون في رؤيته، هذا.

وقال الطيبيّ - رحمه الله -: قوله: "إلا كما تضارون" كان الظاهر أن يقال: لا تضارون في رؤية ربكم، كما لا تضارون في رؤية أحدهما، ولكنه أُخرج مخرج قوله [من الطويل]:

وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ … بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ

أي: لا تشكّون فيه إلا كما تشكون في رؤية القمرين، وليس في رؤيتهما شكّ، فلا تشكّون فيه البتة. انتهى (٣).

(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: (فَيَلْقَى) بالبناء للفاعل، من اللقاء، (الْعَبْدَ) بالنصب على المفعوليّة؛ أي: يَلقَى اللهُ - عز وجل - العبد من عباده (فَيَقُولُ: أَيْ فُلُ)، "أي" حرف


(١) "شرح النوويّ على صحيح مسلم" ٣/ ١٨.
(٢) هذا لم يرد في النصوص لا إثباتًا، ولا نفيًا، فينبغي التوقف فيه، والله تعالى أعلم.
(٣) "الكاشف عن حقائق السنن" ١١/ ٣٥٠٩.