كان من الخصوصية لعائشة - رضي الله عنها - ببركة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقد وقع مثل ذلك في حديث جابر الآتي بعدُ، ووقع مثل ذلك في مزود أبي هريرة الذي أخرجه الترمذيّ، وحسّنه، والبيهقيّ في "الدلائل" من طريق أبي العالية، عن أبي هريرة:"أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتمرات، فقلت: ادع لي فيهنّ بالبركة، قال: فقبض، ثم دعا، ثم قال: خذهنّ، فاجعلهنّ في مزود، فإذا أردت أن تأخذ منهنّ، فأدخل يدك، فخذ، ولا تنثر بهنّ نثرًا، فحملت من ذلك كذا وكذا وسقًا في سبيل الله، وكنا نأكل، ونُطعم، وكان المزود معلقًا بحقوي، لا يفارقه، فلما قُتل عثمان انقطع".
وأخرجه البيهقيّ أيضًا من طريق سهل بن زياد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة، مطوّلًا، وفيه:"فأدخل يدك، فخذ، ولا تكفئ، فيكفأ عليك"، ومن طريق يزيد بن أبي منصور، عن أبيه، عن أبي هريرة نحوه.
ونحوه ما وقع في عُكّة المرأة، وهو ما أخرجه مسلم من طريق أبي الزبير، عن جابر:"أن أم مالك كانت تُهدي للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - في عكة لها سمنًا، فيأتيها بنوها، فيسألون الأُدْم، فتعمِد إلى العكة، فتجد فيها سمنًا، فما زال يقيم لها أدم بيتها، حتى عصرته، فأتت النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: لو تركتها ما زال قائمًا".
٤ - (ومنها): أنه قد استُشكل هذا النهي مع الأمر بكيل الطعام، وترتيب البركة على ذلك، كما في حديث المقدام بن معد يكرب، مرفوعًا:"كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه".
وأجيب: بأن الكيل عند المبايعة مطلوب، من أجل تعلّق حق المتبايعين، فلهذا القُصد يُندب، وأما الكيل عند الإنفاق، فقد يبعث عليه الشحّ، فلذلك كُره، ويؤيده ما أخرجه مسلم من طريق معقل بن عبيد الله، عن أبي الزبير، عن جابر - رضي الله عنه -: "أن رجلًا أتى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يستطعمه، فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرجل يأكل منه، وامرأته، وضيفهما حتى كاله، فأتى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: لو لم تكله لأكلتم منه، ولقام لكم".
٥ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ: سبب رفع النماء من ذلك عند الحصر والكيل - والله أعلم - الالتفات بعين الحرص، مع معاينة إدرار نِعَم الله،