التاجر: هو تامّ لا ينقص من أجورهم شيء، وهذا محمول على أن قصدهم الأصلي كان هو الحج، دون التكسب.
وأما إن كان أصل العمل لله، ثم طرأت عليه نية الرياء، فلا يضره، فإن كان خاطرًا، ودَفَعه فلا يضره بغير خلاف، فإن استرسل معه، فهل يحبط عمله أم لا يضره ذلك، ويجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف، قد حكاه الإمام أحمد، وابن جرير الطبريّ، وأرجو أن عمله لا يبطل بذلك، وأنه يجازى بنيّته الأُولى، وهو مروي عن الحسن البصريّ، وغيره.
ويُسْتَدَل لهذا القول بما خرّجه أبو داود في "مراسيله" عن عطاء الخراسانيّ، أن رجلًا قال: يا رسول الله إن بني سلمة كلهم يقاتل، فمنهم من يقاتل للدنيا، ومنهم من يقاتل نَجْدة، ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله، فأيهم الشهيد؟ قال: كلهم إذا كان أصل أمره أن تكون كلمة الله هي العليا.
وذكر ابن جرير أن هذا الاختلاف إنما هو في عمل يرتبط آخره بأوله، كالصلاة، والصيام، والحج، فأما ما لا ارتباط فيه، كالقراءة، والذكر، وإنفاق المال، ونشر العلم، فإنه ينقطع بنيّة الرياء الطارئة عليه، ويحتاج إلى تجديد نية، وكذلك رُوي عن سليمان بن داود الهاشميّ أنه قال: ربما أحدّث بحديث، ولي فيه نية، فإذا أتيت على بعضه تغيّرت نيّتي، فإذا الحديث الواحد يحتاج إلى نيات. ولا يَرِد على هذا الجهاد، كما في مرسل عطاء الخراسانيّ، فإن الجهاد يلزم بحضور الصفّ، ولا يجوز تركه حينئذ، فيصير كالحج.
فأما إذا عمل العمل لله خالصًا، ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بذلك، بفضل ورحمة، واستبشر بذلك لم يضره ذلك.
وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذرّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير، يحمده الناس عليه، فقال:"تلك عاجل بشرى المؤمن". خرّجه مسلم، وخرجه ابن ماجه، وعنده:"الرجل يعمل العمل، فيصحبه الناس عليه"، وبهذا المعنى فسره الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، وابن جرير الطبريّ، وغيرهم.
وكدلك الحديث الذي خرّجه الترمذيّ، وابن ماجه، من حديث أبي