للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "الفتح": قوله: "إلا المجاهرين" كذا للأكثر، وكذا في رواية مسلم، ومستخرَجَي الإسماعيليّ، وأبي نعيم، بالنصب، وفي رواية النسفيّ: "إلا المجاهرون" بالرفع، وعليها شَرَح ابن بطال، وابن التين، وقال: كذا وقع، وصوابه عند البصريين بالنصب، وأجاز الكوفيون الرفع في الاستثناء المنقطع، كذا قال.

وقال ابن مالك: "إلا" على هذا بمعنى "لكن"، وعليها خرّجوا قراءة ابن كثير، وأبي عمرو: {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} [هود: ٨١]؛ أي: لكن امرأتك، {إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} [هود: ٨١]، وكذلك هنا المعنى: لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون، فـ "المجاهرون" مبتدأ، والخبر محذوف.

وقال الكرمانيّ: حقّ الكلام النصب، إلا أن يقال: العفو بمعنى الترك، وهو نوع من النفي، ومحصل الكلام: كل واحد من الأمة يُعْفَى عن ذنبه، ولا يؤاخذ به، إلا الفاسق المعلن. انتهى، واختصره من كلام الطيبيّ، فإنه قال: كُتب في نسخة "المصابيح": "المجاهرون" بالرفع، وحقه النصب، وأجاب بعض شراح "المصابيح" بأنه مستثنى من قوله: "معافي"، وهو في معنى النفي؛ أي: كل أمتي لا ذنب عليهم، إلا المجاهرون، قال الطيبيّ: والأظهر أن يقال: المعنى: كل أمتي يُتركون في الغِيبة إلا المجاهرون، والعفو بمعنى الترك، وفيه معنى النفي، كقوله: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة: ٣٢] والمجاهر الذي أظهر معصيته، وكشف ما سَتَر الله عليه، فيتحدث بها، يقال: جهر، وأجهر، وجاهر.

وقد ذكر النوويّ أن من جاهر بفسقه، أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به دون ما لم يجاهر به. انتهى (١).

والمجاهر في هذا الحديث يَحْتَمِل أن يكون من جاهر بكذا بمعنى جهر به، والنكتة في التعبير بفاعل إرادة المبالغة، وَيحْتَمِل أن يكون على ظاهر المفاعلة، والمراد: الذين يجاهر بعضهم بعضًا بالتحدث بالمعاصي، وبقية الحديث تؤكد الاحتمال الأول. انتهى (٢).


(١) "الكاشف عن حقائق السن" ١٠/ ٣١١٩.
(٢) "الفتح" ١٣/ ٦٣٤.