علي ما ظنّه بقوله:(أَلَا) أداة تحضيض، (تَرَوْنَهَا إِذَا وُضِعَ) بالبناء للمفعول، (لَهَا أَلْبَانُ الإِبِلِ، لَمْ تشْرَبْهُ)؛ أي: لأن بني إسرائيل حُرّمت عليهم لحوم الإبل، وألبانها، فامتناعها من شُرب لبنها دليل على أنها من الممسوخين من بني إسرائيل، (وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ) جمع شاة، (شَرِتَبْهُ) قال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ: معنى هذا أن لحوم الإبل وألبانها حُرمت على بني إسرائيل دون لحوم الغنم، وألبانها، فدلّ امتناع الفأرة من لبن الإبل دون الغنم على أنها مسخ من بني إسرائيل. انتهى.
(قَالَ أَبُو هرَيْرَةَ) - رضي الله عنه -، هو موصول بالسند السابق، وليس معلّقًا، فتنبّه.
(فَحَدَّثْتُ هَذَا الْحَدِيثَ كَعْبًا) هو: كعب بن ماتع الْحِمْيريّ، أبو إسحاق المعروف بكعب الأحبار، ثقة من الطبقة الثانية، مخضرم، كان من أهل اليمن، فسكن الشام، ومات في آخر خلافة عثمان - رضي الله عنه -، وقد زاد على المائة، تقدّمت ترجمته في "الإيمان" ٩٢/ ٤٩٧.
(فَقَالَ) كعب لأبي هريرة (آنْتَ) بمد الهمزة، أصله: أأنت بهمزتين، أُولاهما للاستفهام، فأُبدلت الثانية ألفًا. (سَمِعْتَهُ)، أي: هذا الحديث (مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟) قال أبو هريرة: (قُلْتُ: نَعَمْ) سمعته منه، (قَالَ) كعب (ذَلِكَ مِرَارًا) للتأكّد من الخبر، قال أبو هريرة (قُلْتُ: أَأَقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟) بهمزة الاستفهام الإنكاريّ، وفي الرواية التالية:"أفأُنزلت عليّ التوراة؟ "؛ أي: لا علم عندي إلا ما سمعته منه - صلى الله عليه وسلم -.
قال في "الفتح": وفي سكوت كعب عن الردّ على أبي هريرة دلالة على تورعه، وكأنهما جميعًا لم يبلغهما حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال:"وذُكر عند النبيّ - صلى الله عليه وسلم - القردة، والخنازير، فقال: إن الله لم يجعل للمسخ نسلًا، ولا عَقِبًا، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك"، وعلى هذا يُحمل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا أراها إلا الفأر"، وكانه كان يظن ذلك، ثم أُعلم بأنها ليست هي، قال ابن قتيبة: إن صح هذا الحديث، وإلا فالقردة والخنازير هي المسوخ بأعيانها، توالدت.
قال الحافظ: الحديث صحيح. انتهى.
وقوله:(قَالَ إِسْحَاقُ) هو ابن إبراهيم ابن راهويه شيخه الأول، وغرضه منه بيان أختلاف شيوخه في هذه الجملة، فقال إسحاق (فِي رِوَايَتِهِ:"لَا نَدْرِي مَا فَعَلَتْ؟ ")؛ أي: ببناء الفعل للفاعل، وإسناده إلى ضمير المتكلم، ومعه