وفي رواية البخاريّ:"لم يكن يسرد الحديث كسردكم"؛ أي: لم يكن يتابع الحديث استعجالًا؛ أي: كان يتكلم بكلام متتابع مفهوم واضح على سبيل التأني؛ لئلا يلتبس على المستمع، وفي رواية الإسماعيليّ عن ابن المبارك، عن يونس:"إنما كان حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلًا فهمًا تفهمه القلوب"، واعتُذر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بأنه كان واسع الرواية، كثير المحفوظ، فكان لا يتمكن من المهل عند إرادة التحديث، كما قال بعض البلغاء: أريد أن أقتصر، فتزدحم القوافي عليّ (١).
والحاصل: أن غرض عائشة - رضي الله عنها - بذلك حثّ أبي هريرة - رضي الله عنه - على عدم الاستعجال في حال الرواية، وعدم الإكثار؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - ما كان يُكثر الحديث في مجلس واحد، ولا يسرده سردًا، وإنما يُحدّث بأحاديث قليلة، وتكون مفصّلةً، ويكررها ثلاث مرّات، كما في حديث أنس - رضي الله عنه -، "عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا، حتى تُفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلَّم عليهم، سلَّم عليهم ثلاثًا"، رواه البخاريّ، فهذا هو وجه إنكارها، والله تعالى أعلم.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عائشة - رضي الله عنها - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [١٥/ ٧٤٧٨](٢٤٩٣)، و (البخاريّ) في "المناقب"(٣٥٦٧ و ٣٥٦٨)، و (أبو داود) في "العلم"(٣٦٥٤ و ٣٦٥٥)، و (الترمذيّ) في "المناقب"(٣٦٣٩).
وهذا الحديث تقدّم للمصنّف طرف منه في كتاب "فضائل الصحابة - رضي الله عنهم -" برقم [٣٥/ ٦٣٧٩](٢٤٩٣) وقد استوفيت البحث فيه هناك، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف رحمه اللهُ أوّلَ الكتاب قال:
[٧٤٧٩](٣٠٠٤) - (حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -