للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الثالثة): في أقوال أهل العلم في هذا الحديث، واختلافهم في كتابة الحديث:

قال الحافظ في "الفتح" ما خلاصته: ويستفاد من هذا الحديث (١)، ومن الحديث عليّ المتقدم، ومن قصة أبي شاه، أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أذن في كتابة الحديث عنه، وهو يعارض حديث أبي سعيد الخدريّ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تكتبوا عني شيئًا غير القرآن"، رواه مسلم.

والجمع بينهما أن النهي خاصّ بوقت نزول القرآن؛ خشية التباسه بغيره، والإذن في غير ذلك، أو أن النهي خاص بكتابة غير القرآن مع القرآن في شيء واحد، والإذن في تفريقهما، أو النهي متقدم، والإذن ناسخ له عند الأمن من الالتباس، وهو أقربها، مع أنه لا ينافيها، وقيل: النهي خاص بمن خُشي منه الاتكال على الكتابة دون الحفظ، والإذن لمن أُمن منه ذلك، ومنهم من أعلّ حديث أبي سعيد، وقال: الصواب وَقْفه على أبي سعيد، قاله البخاريّ وغيره.

قال العلماء: كره جماعة من الصحابة والتابعين كتابة الحديث، واستحبوا أن يؤخذ عنهم حفظًا كما أخذوا حفظًا، لكن لمّا قصرت الهمم، وخشي الأئمة ضياع العلم دوّنوه، وأول من دون الحديث ابن شهاب الزهريّ على رأس المائة بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين، ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير، فلله الحمد. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: قد ذكرت هذه الأقوال في "ألفية العلل"، فقلت:

كِتَابَةُ الْحَدِيثِ فِيهِ اخْتُلِفَا … كَرِهَهَا قَوْمٌ سَرَاةٌ حُنَفَا

فَمِنْهُمُ زيدٌ أَبُو هَرَيْرَةِ … كَذَا ابْنُ مَسْعُودٍ وَحَبْرُ الأُمَّةِ

كَذَا أَبُو مُوسَى وَنَجْلُ عُمَرَا … كَذَلِكَ الْخُدْرِيْ وَغَيَرُهُمْ يَرَى

وَجَوَّزَتْ طَائِفَةٌ كَعُمَرِ … وَأَنَسٍ مَعَ ابْنِ عَمْرٍو جَابِرِ


(١) أراد حديث قصّة أبي هريرة حيث قال عن عبد الله بن عمر: "فإنه كان يكتب ولا أكتب"، وحديث عليّ هو قوله: "وما في هذه الصحيفة"، وقصّة أبي شاه مشهورة.
(٢) "الفتح" ١/ ٣٦٣ - ٣٦٤.