للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يلزمهم من إظهار دينه، والدعاء إليه، وهو مراد الغلام بقوله للملك: لست بقاتلي حتى تصلبني … إلخ.

٣ - (ومنها): أن الصبي الذي كلّم أمه، وهي ترضعه ممن تكلّم في المهد، وهم جماعة، وقد سبق ذكرهم في "كتاب البرّ والصلة" رقم [٢/ ٦٤٨٨] (٢٥٥٠) فراجعه تستفد علمًا، وبالله تعالى التوفيق.

٤ - (ومنها): أن الحديث دليل على إجازة الكذب لمصلحة الدِّين، ووجه التمسك به أن نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - ذكر هذا الحديث كله في معرض الثناء على الراهب والغلام، على جهة الاستحسان لِمَا صدر عنهما، فلو كان شيء مما صدر عنهما من أفعالهما محرّمًا، أو غير جائز في شرعه لبيّنه - صلى الله عليه وسلم - لأمته، ولاستثناه من جملة ما صدر عنهما، ولم يفعل ذلك، فكل ما أخبر به عنهما حجَّة، ومسوغ الفعل، قاله القرطبيّ رحمه الله (١).

٥ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ رحمه الله أيضًا: وهذا الحديث كله إنما ذكره النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه ليصبروا على ما يلقون من الأذى، والآلام، والمشقات التي كانوا عليها؛ ليتأسوا بمثل هذا الغلام في صبره، وتصلّبه في الحق، وتمسكه به، وبذله نفسه في حق إظهار دعوته، ودخول الناس في الدين مع صغر سنه، وعظيم صبره، وكذلك الراهب صبر على التمسك بالحقّ حتى نشر بالمنشار، وكذلك كثير من الناس لمّا آمنوا بالله تعالى، ورسخ الإيمان في قلوبهم صبروا على الطرح في النار، ولم يرجعوا عن دينهم، وهذا كله فوق ما كان يُفعل بمن آمن من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّه لم يكن فيهم من فُعل به شيء من ذلك؛ لكفاية الله تعالى لهم، ولأنه تعالى أراد إعزاز دينه، وإظهار كلمته.

على أني أقول: إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أقوى الأنبياء في الله، وأصحابه أقوى أصحاب الأنبياء في الله تعالى، فقد امتُحن كثير منهم بالقتل، وبالصلب، وبالتعذيب الشديد، ولم يلتفت إلى شيء من ذلك، وتكفيك قصّة عاصم، وخبيب، وأصحابهما، وما لقي أصحابه من الحروب، والمحن، والأسر، والحرق، وغير ذلك، فلقد بذلوا في الله نفوسهم، وأموالهم، وفارقوا ديارهم،


(١) "المفهم" ٧/ ٤٢٤ - ٤٢٥.