(وَقَالَ:"خُذْ) هذا الشجب (يَا جَابِرُ، فَصُبَّ عَلَي)؛ أي: على يدي التي في قعر الجفنة، (وَقُلْ: بِاسْمِ اللهِ") قال جابر: (فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: بِاسْمِ اللهِ، فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَتَفَوَّرُ)؛ أي: يخرج بقوة (مِنْ بَيْنِ أَصَابعِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ فَارَتِ)؛ أي: نبعت (الْجَفْنَةُ، وَدَارَتْ)؛ أي: دار الماء في جوفها، وجوانبها (حَتَّى امْتَلأَتْ) الجفنة بالماء، (فَقَالَ:"يَا جَابِرُ نَادِ مَنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ بِمَاءٍ؟ ") فليأتنا ليأخذه. (قَالَ) جابر: (فَأَتَى النَّاسُ) كلّهم؛ لأنهم جميعًا محتاجون إلى الماء، (فَاسْتَقَوْا)؛ أي: أخذوا الماء في أوانيهم، وشربوا (حَتَّى رَوَوْا)؛ أي: ذهب عنهم العطش. (قَالَ) جابر: (فَقُلْتُ: هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ لَهُ حَاجَةٌ؟) إلى الماء، فسكتوا (فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ) الشريفة المباركة (مِنَ الْجَفْنَةِ، وَهِيَ)؛ أي: والحال أن تلك (الجفنة مَلأَى)؛ أي: ممتلئة ماء.
قال القاضي عياض رحمه الله: هذه من باهر معجزاته - صلى الله عليه وسلم -، وقد روينا عنه هذه في مواطن متفقة المعنى، وكذلك في معجزاته - صلى الله عليه وسلم - ما تقدّم من أمر الشجرتين، وكذلك اكتفاؤهم بالتمرة الواحدة ببركته - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك الدابّة التي ألقاها البحر، وتقدّمت في "كتاب الجهاد" في غزوة أبي عبيدة، ويظهر أنها قضيّة أخرى غير القضيّة الآتية؛ لأن هذه حضرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويَحْتمل أن هذه الآتية تلك السابقة، وأوردها جابر بعد ذِكره ما شاهده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعطف هذه القضيّة عليها. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الحديث من أفراد المصنّف رحمه الله لم أر من أخرجه غيره، والله تعالى أعلم.
ثم قال جابر - رضي الله عنه -: (وَشَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْجُوعَ)؛ أي: أخبروه أنهم جائعون، (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("عَسَى اللهُ أَنْ يُطْعِمَكُمْ")؛ أي: يسوق إليكم رزقًا من عنده يزيل جوعكم، (فَأَتَيْنَا سِيفَ الْبَحْرِ) بكسر السين، وإسكان المثناة تحتُ هو ساحله، (فَزَخَرَ الْبَحْرُ زَخْرَةً) بالخاء المعجمة، أي: علا موجه، (فَأَلْقَى) البحر (دَابَّةٌ) من دوابّه إلى الساحل، وتقدّم في "كتاب الصيد" أنه كان حوتًا عظيمًا، يقال له: العنبر، (فَأَوْريْنَا)؛ أي: أوقدنا (عَلَى شِقِّهَا)؛ أي: على جنبها (النَّارَ، فَاطَّبَخْنَا) بتشديد الطاء افتعال من الطبخ، (وَاشْتَوينَا)؛ أي: شويناه