للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سنة ستّ من الهجرة، أو قبلها، وكان أميرهم أبا عبيدة بن الجرّاح - رضي الله عنه -، خرجوا يتلقون عِيرًا لقريش، ويسيرون إلى جهينة.

ثم الذي يظهر من سياق الحديث هنا أنهم كانوا مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولكن سياق حديث جابر في "كتاب الصيد" أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يكن معهم في سريّة سيف البحر، حيث قال: "بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمّر علينا أبا عبيدة بن الجرّاح"، وكذلك وقع في روايات البخاريّ في "المغازي".

ومن أجل هذا الاختلاف مال بعض العلماء، كالقاضي عياض رحمه الله إلى أنهما قصّتان، فما تقدّم في "كتاب الصيد" سريّة لم يكن معها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذه غزوة شهدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنفسه، ولكن هذا بعيد بالنظر إلى موافقة الحديثين في أكثر أجزاء القصّة، فالراجح ما ذكره القاضي احتمالًا، وهو أن القصة واحدة، ولكن أوردها جابر هنا بعد ذكر ما شاهده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعطف هذه القصّة عليها، وشرحه الحافظ في "الفتح" بقوله: يمكن حمل قوله: "فأتينا سِيف البحر" على أنه معطوف على شيء محذوف، تقديره: فبعثنا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فأتينا. . . إلخ.

والحاصل: أن قوله: "شكا الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجوع، فقال: عسى الله أن يُطعمكم" منفصل عما بعده، والأسلوب الذي سُردت به أحاديث مختلفة في هذا الحديث الطويل لا يأبى هذا التقدير، والله سبحانه وتعالى أعلم (١).

قال الجامع عفا الله عنه: هكذا قرّر صاحب "التكملة" هذه المسألة، مرجحًا كون القصّة واحدة، وعندي أنهما قصّتان، وذلك واضح لمن تأمله، فكل الأوجه التي ذكروها لتوحيد القصّة تكلّفات، وتعسّفات، فتأملها بالإنصاف، يتبيّن لك ما قلته.

والحاصل: أن جابرًا - رضي الله عنه - شهد الواقعتين، واقعة مع أبي عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه -، وواقعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهما متشابهتان، فحدّث بكلّ منهما، هذا والله تعالى أعلم.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.


(١) "تكملة فتح الملهم" ٦/ ٥٢٧ - ٥٢٨.