قال: وأول من عرّف الجامع بما يجمع العلوم الثمانية - فيما أعلم - هو الشيخ عبد العزيز الدهلويّ رحمه الله في رسالته المسمّاة بـ "العجالة النافعة"، وهو الذي صرّح فيها بأن "صحيح مسلم" ليس جامعًا، لأنه لا يوجد فيه أحاديث التفسير والقراءات.
وقد مرّ في مقدّمة هذا الكتاب أن مجد الدين الشيرازيّ صاحب "القاموس" قد أطلق لفظ الجامع على "صحيح مسلم"، وكذلك ذكر حاجي خليفة في "كشف الظنون""صحيح مسلم" بلفظ "الجامع الصحيح"، وكذلك فعل العلامة علي القاري في "مرقاة المفاتيح" حيث قال في ترجمة مسلم رحمه الله: وله المصنّفات الجليلة غير جامعه الصحيح.
قال: وإطلاق هذا اللفظ على "صحيح مسلم" هو الراجح على كلا التعريفين للجامع، أما على تعريف الخطاب السبكيّ فظاهر؛ لأن كتاب مسلم مرتّب على أبواب الفقه، وأما على تعريف الشيخ الدهلويّ فكذلك، وذلك لوجهين:
الأول: أن الإمام مسلمًا - رضي الله عنه - لم يترك أحاديث التفسير رأسًا، بل عقد لها هذا الباب، أما قلّة أحاديثه فيه فلِمَا ذكرنا من أن الأحاديث المرفوعة التي هي في صميم موضوع التفسير، والتي تستجمع الشروط التي التزمها مسلم قليلة، وقد أخرج رحمه الله أحاديث كثيرة في الأبواب الأخرى لها علاقة بالتفسير، وإنما طال كتاب التفسير في "صحيح البخاريّ"؛ لأنه يورد الأحاديث بأدنى مناسبة، ولا يرى بالتكرار بأسًا، ولأنه أدخل فيه كثيرًا من تفسير غريب القرآن.
قال: وقد التمست من بعض أصحابي أن يتتبع الأحاديث التي أخرجها البخاريّ في "كتاب التفسير" كم أخرج منها مسلم في غير "كتاب التفسير"، فتبيّن من هذا التتبّع أن اثنين وستين حديثًا أخرجها البخاريّ في "التفسير"، وأخرجها مسلم في الأبواب الأخرى غير "كتاب التفسير"، وإذا أضفنا إليها هذه الثمانية عشر التي أخرجها مسلم في "كتاب التفسير" بلغ عددها إلى ثمانين حديثًا، وهناك أحاديث أخرى في "صحيح مسلم" يمكن أن تُدرج في "كتاب التفسير" لمناسبة من المناسبات، لم يُخرجها البخاريّ في "التفسير"، فيزداد العدد، فأحاديث التفسير في "صحيح مسلم" ليست قليلة بما يخرجه من كونه جامعًا.