للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شكرًا، وبقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لمّا سئل عن صيام يوم الاثنين، قال: "ذلك يوم وُلدت

فيه، وأُنزل علي فيه".

فأما الأعياد التي يجتمع عليه الناس فلا يُتجاوز بها ما شرعه الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم- وشرعه الرسول لأمته. والأعياد: هي مواسم الفرح والسرور؛ وإنما شرع الله لهذه الأمة الفرح والسرور بتمام نعمته وكمال رحمته، كما قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: ٥٨] فشرع لهم عيدين في سنة وعيدًا في كل أسبوع، فأما عيدا السنة:

فأحدهما: تمام صيامهم الذي افترضه عليهم كل عام، فإذا أتموا صيامهم أعتقهم من النار، فشَرَع لهم عيدًا بعد إكمال صيامهم، وجعله يوم الجوائز يرجعون فيه من خروجهم إلى صلاتهم وصدقتهم بالمغفرة، وتكون صدقة الفطر وصلاة العيد شكرًا لذلك.

والعيد الثاني: أكبر العيدين عند تمام حجهم بإدراك حجهم بالوقوف بعرفة وهو يوم العتق من النار، ولا يحصل العتق من النار والمغفرة للذنوب والأوزار في يوم من أيام السنة أكثر منه، فجعل الله عقب ذلك عيدًا، بل هو العيد الأكبر، فيكمل أهل الموسم فيه مناسكهم ويقضوا فيه تفثهم، ويوفون نذورهم ويطوفون بالبيت العتيق ويشاركهم أهل الأمصار في هذا العيد؛ فإنهم يشاركونهم في يوم عرفة في العتق والمغفرة وإن لم يشاركوهم في الوقوف بعرفة؛ لأن الحج فريضة العمر لا فريضة كل عام، بخلاف الصيام ويكون الشكر عند أهل الأمصار: الصلاة والنحر، والنحر أفضل من الصدقة التي في يوم الفطر؛ ولهذا أمر الله نبيّه -صلى الله عليه وسلم- أن يشكر نعمته عليه بإعطائه الكوثر بالصلاة له والنحر كما شرع ذلك لإبراهيم خليله؛ عند أمْره بذبح ولده وافتدائه بذبح عظيم.

وأما عيد الأسبوع: فهو يوم الجمعة، وهو متعلق بإكمال فريضة الصلاة؛ فإن الله فرض على عباده المسلمين الصلاة كل يوم وليلة خمس مرات، فإذا كملت أيام الأسبوع التي تدور الدنيا عليها وأكملوا صلاتهم فيها شرع لهم يوم إكمالها -وهو اليوم الذي انتهى فيه الخلق، وفيه خُلق آدم وأدخل الجنة- عيدًا يجتمعون فيه على صلاة الجمعة، وشرع لهم الخطبة تذكيرًا بنِعَم الله عليهم وحثًّا لهم على شكرها، وجعل شهود الجمعة بأدائها كفارة لذنوب الجمعة كلها وزيادة ثلاثة أيام.