للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وغيرهم، و {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)} [النصر: ١]: فتح مكة، كما فسّره النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في حديت عائشة -رضي الله عنها-، ولا يُلتفت لِمَا قيل في ذلك مما يخالفه. و"الأفواج": الزُّمَرُ، يعني: زمرةً بعد زمرة، وهذا كان بعد فتح مكة، فإنَّ أهل مكة كانوا عظماء العرب، وقادتهم، ومكة بيت الله تعالى، فتوقفت العرب في إسلامها على أهل مكة، ينظرون ما يفعلون، فلما فتح الله تعالى مكة على نبيّه -صلى الله عليه وسلم-، وأسلم أهلها، أصفقت العرب على الدخول في الإسلام، وهَجَرت الأوثان، وعطّلت الأزلام، وحصل التّمام، وكمل الإنعام، فوجب الشكر لهذا المنعم الكريم، واستغفار هذا المولى الرحيم، لا سيما، وقد أفصح خطابًا: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (٣)} [النصر: ٣]؛ أي: قل يا محمد: سبحان الله وبحمده، وأستغفر الله، وأتوب إليه، فكان -صلى الله عليه وسلم- يكثر من قول ذلك شكرًا لله تعالى، وامتثالًا لِمَا أمر به هنالك، وقد تقدَّم أن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس -رضي الله عنهم-، فَهِما من هذه السورة أن الله تعالى نَعَى لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- نفسه، وكذلك فهمه أبو بكر -رضي الله عنه-، وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: نزلت هذه السورة بمنى في حجَّة الوداع، ثم نزلت: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣]، فعاش بعدها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ثمانين يومًا، ثم نزلت آية الكلالة، فعاش بعدها خمسين يومًا، ثم نزل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} الآية [التوبة: ١٢٨]، فعاش بعدها خمسة وثلاثين يومًا، ثم نزلت: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} الآية [البقرة: ٢٨١]، فعاش بعدها إحدى وعشرين يومًا. وقال مقاتل: سبعة أيام.

{إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} على النادمين، وإن كثروا، ومَحّاءً ذنوبَ الخطائين إذا استغفروا. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه الله- (١)، وهو تحقيقٌ حسنٌ، والله تعالى أعلم.

وقال الحافظ في "الفتح": ولأبي يعلى من حديث ابن عمر: "نزلت هذه السورة في أوسط أيام التشريق، في حجة الوداع، فعرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه الوداع".

قال: وسئلت عن قول الكشاف: إن "سورة النصر" نزلت في حجة الوداع أيام التشريق، فكيف صُدِّرت بـ"إذا" الدالة على الاستقبال؟.


(١) "المفهم" ٧/ ٤٣٦ - ٤٣٧.