للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

{فَاسِقُونَ} [الحديد: ٢٦]؛ أي: خارجون عن مقتضى العقل من التوحيد، وعن مقتضى الرسالة من التصديق، وفائدة هذه الآية أنه لمّا رسخ الإيمان في قلوبهم أرشدهم إلى الازدياد في أحوالهم، والمراقبة في أعمالهم، وحذّرهم عن جفوة أهل الكتاب بأبلغ خطاب، وألطف عتاب (١).

(إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ) قال أبو عبد الله القرطبيّ -رحمه الله- في "تفسيره": رُوي أن المزاح والضحك كَثُر في أصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لَمّا ترفهوا بالمدينة، فنزلت الآية، ولمّا نزلت هذه الآية قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يستبطئكم بالخشوع"، فقالوا عند ذلك: خشعنا.

وقال ابن عباس: إن الله استبطأ قلوب المؤمنين، فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن.

وقيل: نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة.

وذلك أنهم سألوا سلمان أن يحدثهم بعجائب التوراة، فنزلت: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (١)} [يوسف: ١] إلى قوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} الآية [يوسف: ٣]، فأخبرهم أن هذا القصص أحسن من غيره، وأنفع لهم، فكَفُّوا عن سلمان، ثم سألوه مثل الأول، فنزلت: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} فعلى هذا التأويل يكون الذين آمنوا في العلانية باللسان.

قال السديّ وغيره: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} بالظاهر، وأسرُّوا الكفر، {أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}. وقيل: نزلت في المؤمنين، قال سعد: قيل: يا رسول الله لو قصصت علينا، فنزل: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} فقالوا بعد زمان: لو حدثتنا، فنزل: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} [الزمر: ٢٣]، فقالوا بعد مدة: لو ذكّرتنا، فأنزل الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}. ونحوه عن ابن مسعود، قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين، فجعل ينظر بعضنا إلى بعض، ويقول: ما أحْدَثْنا؟ قال الحسن: استبطأهم، وهم أحب خلقه إليه.

وقيل: هذا الخطاب لمن آمن بموسى وعيسى دون محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه قال


(١) "المفهم" ٧/ ٤٠٦ - ٤٠٧.