كان كلّ خصم فريقًا يجمع طائفة قال:{اخْتَصَمُوا} بصيغة الجمع، كقوله:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}[الحجرات: ٩]، فالجمع مراعاة للمعنى، وقال في "الكشّاف": الخصم صفة وُصف بها الفوج، أو الفريق، فكأنه قيل هذان فوجان، أو فريقان يختصمان، وقوله: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩)} نظرًا للّفظ، و {اخْتَصَمُوا} نظرًا للمعنى، قال في "الدرّ": إن عنى بقوله: إن الخصم صفة بطريق الاستعمال المجازيّ فمسلّم؛ لأن المصدر يكثر الوصف به، وإن أراد أنه صفة حقيقة فخطؤه ظاهر؛ لتصريحهم بأن رجل خصم مثل رجل عدل. انتهى من "شرح القسطلانيّ"(١).
وقال القرطبيّ -رحمه الله-: "هذان" إشارة إلى الفريقين اللذين ذكرهما أبو ذرّ -رضي الله عنه-، وهما: عليّ، وحمزة، وعُبيدة، وهم المؤمنون، والفريق الآخر عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة، التقيا يوم بدر في أول الحرب، فافتخر المشركون بدينهم، وانتسبوا إلى شركهم، وافتخر المسلمون بالإسلام، وانتسبوا إلى التوحيد، ولمّا خرج المشركون، ودعوا إلى البراز، خرج إليهم عوف ومعوِّذ ابنا عفراء، وعبد الله بن رواحة الأنصاريّ، فلما انتسبوا لهم قالوا: أكفاء كرام، ولكنا نريد قومنا، فخرج إليهم حمزة بن عبد المطلب، وعُبيدة بن الحارث، وعليّ -رضي الله عنهم-، فأمّا حمزة وعليّ فلم يُمهلا صاحبيهما، فقتلاهما، واختَلَفت بين عُبيدة وشيبة ضربتان، كلاهما أثبت صاحبه، وكرّ حمزة، وعليّ على شيبة، فقتلاه، واحتملا صاحبيهما، فمات من جرحه ذلك بالصفراء عند رجوعه.
وقال قتادة: هم: أهل الكتاب، افتخروا بسبق دينهم، وكتابهم، فقال المسلمون: كتابنا مهيمن على الكتب، ونبيّنا خاتم الأنبياء.
وقال مقاتل: أهل الملل في دعوى الحق.
وقوله:{قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ}[الحج: ١٩]؛ أي: أُعدّت، كما يقطع