للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عصاني فلا أدعو عليه؛ لأنك غفور رحيم، أي بأن تتوب عليه، فيتوب عن شركه؛ لأنه لا يغفر له مع شركه؛ لقوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (٤٨)} [النساء: ٤٨]، وقيل: إن مغفرة الشرك كانت في الأمم القديمة، وإنما امتنعت في شرعنا.

قال الجامع عفا الله عنه: هكذا قيل، وهو قول باطلٌ مخالف لنصّ كتاب الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}، وهو خبر لا يدخله النسخ، فتنبّه، ولا تكن من الغافلين، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

(وَقَالَ عِيسَى عليه السلام) هكذا هو في الأصول: "وقال عيسى"، قال القاضي عياض رحمه الله: قال بعضهم: قوله: "قال" هو اسم للقول، لا فعل، يقال: قال قولًا، وقالًا، وقِيلًا، كأنه قال: وتلا قولَ عيسى. انتهى (١).

وحاصل ما أشار إليه أن "قال " ليس فعلًا ماضيًا، وإنما هو مصدر مضاف إلى "عيسى"، معطوفٌ على قوله: "قولَ الله"، فهو منصوب على المفعوليّة لـ"تلا"، والله تعالى أعلم.

وقوله: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} قيل: جواب الشرط محذوف، والتقدير: فإنهم يستحقّون ذلك؛ لأنهم عبادك، قد تركوا عبادتك، فعبدوا غيرك {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: ١١٨]) قال الزجّاج رحمه الله علم عيسى عليه السلام أن منهم من آمن، ومنهم من أقام على الكفر، فقال في جملتهم: إن تعذّبهم: أي إن تعذّب من كفر منهم، فإنهم عبادك الذين عَلِمتَهُم جاحدين لآياتك، مكذّبين لأنبيائك، وأنت العادل في ذلك، فإنهم قد كفروا بعد وجوب الحجة عليهم، وإن تغفر لهم: أي لمن أقلع منهم، وآمن فذلك تفضّل منك، وأنت عزيز لا يمتنع عليك ما تريد، حكيم في ذلك، أو عزيز قويّ قادر على الثواب، حكيم لا يُعاقب إلا عن حكمة وصواب. انتهى (٢).

وقال أبو عبد الله القرطبيّ رحمه الله في "تفسيره": اختلف في تأويل هذه الآية، فقيل: قاله على وجه الاستعطاف لهم، والرأفة بهم، كما يُستَعطَف السيدُ لعبده، ولهذا لم يقل: فإنهم عصوك، وقيل: قاله على وجه التسليم لأمره،


(١) "إكمال المعلم" ٢/ ٨٨١.
(٢) "تفسير النسفيّ" ١/ ٣١٠ - ٣١١.