الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة: ١٣، ١٤] شَقّ ذلك على الصَّحابة، فنزلت: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠)} [الواقعة: ٣٩، ٤٠]، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنّي لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجَنَّة، بل ثلث أهل الجَنَّة، بل أنتم نصف أهل الجَنَّة، وتُقاسمونهم في النصف الثاني".
وأخرجه عبد الله بن أحمد في "زيادات المسند"، والطبرانيّ من وجه آخر، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، بلفظ:"أنتم ربع أهل الجَنَّة، أنتم ثلث أهل الجَنَّة، أنتم نصف أهل الجَنَّة، أنتم ثلثا أهل الجَنَّة".
وأخرج الخطيب في "المبهمات" من مرسل مجاهد نحو حديث الكلبيّ، وفيه مع إرساله أبو حُذيفة إسحاق بن بِشْر أحد المتروكين.
وأخرج أحمد، والترمذيّ وصححه من حديث بُريدة - رضي الله عنه - رفعه:"أهلُ الجَنَّة عشرون ومائة صفّ، أمتي منها ثمانون صفًّا"(١)، وله شاهد من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - بنحوه، وأتمّ منه أخرجه الطبرانيّ، وهذا يوافق رواية الكلبيّ.
فكأنه - صلى الله عليه وسلم - لَمّا رجا رحمةَ ربه أن تكون أمته نصف أهل الجَنَّة، أعطاه ما ارتجاه وزاده، وهو نحو قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (٥)} [الضحى: ٥].
(وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ) وفي رواية إسرائيل عند البخاريّ: "وسأحدثكم بقلّة المسلمين في الكفار يوم القيامة"، وفي رواية مالك بن مِغْوَل الآتية:"ما أنتم في سواكم من الأمم"(مَا) نافية (الْمُسْلِمُونَ فِي الْكُفَّارِ) أي بالنسبة إليهم (إِلَّا كَشَعْرَةٍ بَيْضَاءَ، فِي ثَوْرٍ أَسْوَدَ، أَوْ) للشكّ من الراوي (كَشَعْرَةٍ سَوْدَاءَ، فِي ثَوْرٍ أَبْيَضَ") ووقع في رواية شعبة التالية بلفظ: "وذلك أن الجنّة لا يدخلها إلَّا نفسٌ مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلَّا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر"، وفي حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - الآتي: "إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالرَّقمَة في ذراع الحمار".
قال ابن التين - رَحِمَهُ اللهُ -: أطلق الشعرة، وليس المراد حقيقة الوحدة؛ لأنه لا
(١) حديث صحيح، أخرجه أحمد في "مسنده" رقم (٢١٨٦٢)، والترمذيّ في "جامعه" (٢٤٦٩)، وابن ماجة في "سننه" (٤٢٧٩).