للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الغايات والكمالات سابقة في الإرادة، لاحقةٌ في الوجود، وعليه قوله عز وجل: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣)} عن تالييه؛ لكونه هو المقصود، وإن كان مؤخّرًا في الوجود؛ وعليه قوله عز وجل: {الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣)} [الرحمن: ١ - ٣]، ولَمّا أراد الله تعالى أن يُسري بحبيبه - صلى الله عليه وسلم -، ويقرّبه إليه شرح صدره (١)، وأخرج منه قلبه، فطهّره، على ما رويناه في الصحيحين من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فأُتيت بطست من ذهب، فيها من ماء زمزم، فشُرِح صدري إلى كذا وكذا - يعني إلى أسفل بطنه - فاستُخرِج قلبي، فغسل بماء زمزم، ثم أُعيد مكانه، ثم حُشِي إيمانًا وحكمةً. . ." الحديث.

[فإن قلت]: هل في تخصيص الصلاة بالنور، والصبر بالضياء فائدة؟.

[قلت]: أجل؛ لأن الضياء فرطُ الإنارة، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} [يونس: ٥].

ولعمر الله إن الصبر بُنيت عليه أركان الإسلام، وبه أُحكمت قواعد الإيمان؛ لأنه تعالى لَمّا مَدَح عباده المخلصين بقوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} - إلى قوله -: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: ٦٣ - ٧٥] عقّبه بقوله: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا}، فوَضَع الصبر موضع تلك الأعمال الفاضلة، والأخلاق المرضيّة؛ لأنه مِلاكها، وعليه يدور قُطبها.

قال الراغب الأصفهانيّ رحمه الله: "الصبر": حبسُ النفس عما يقتضيه الهوى، وتختلف مواقعه، وربّما يخالَف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه، فإن كان في معصية، فيقال: صَبَرَ لا غيرُ، وضدّه الْجَزَع، وإن كان في محاربة سُمّي شجاعةً، وضدّها الْجُبْنُ، وإن كان في نائبة مُضْجِرَة سُمّي صاحبه رَحِيب الصدر، وضدّه ضيّق النفس، وإن كان إمساك النفس من الفُضُولات سُمّي


(١) وقد شُقّ صدره - صلى الله عليه وسلم - قبل النبوّة أيضًا، فقد أخرج مسلم في "صحيحه" من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه جبريل عليه السلام، وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه، فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقَةً، فقال: هذا حظّ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب، بماء زمزم، ثم لَأَمَهُ، ثم أعاده في مكانه. . ." الحديث.