للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"حدّثني"، فإن روايته عن الأول كانت سماعًا من لفظ الشيخ له ولغيره، وروايته عن الثاني كانت له خاصةً من غير شريك له، وقد قدَّمنا أن المستحب في مثل الأول أن يقول: "حدّثنا"، وفي الثاني: "حدثني"، وهذا مستحبّ بالاتفاق، وليس بواجب، فاستعمله مسلم - رحمه الله -، وقد أكثر من التحرّي في مثل هذا، وقد قدّمت له نظائر، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - التنبيه على نظائره الكثيرة، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

وقوله: (قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ) هذا أيضًا من احتياط مسلم - رحمه الله - وورعه، فإنه رَوَى هذا الحديث أوّلًا عن شيوخه الثلاثة: الهارونين، وأبي الطاهر، عن ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، ولم يكن في رواية أبي الطاهر "أخبرني"، وإنما كان فيها: "عن عمرو بن الحارث"، وقد تقرَّر أن لفظة "عن" مختلَفٌ في حملها على الاتصال، والقائلون أنها للاتصال وهم الجماهير يوافقون على أنها دون "أخبرنا"، فاحتاط مسلم - رحمه الله -، وبَيَّنَ ذلك، وكم في كتابه من الدُّرَر والنفائس المشابهة لهذا، رحمه الله تعالى، وجمع بيننا وبينه في دار كرامته، والله تعالى أعلم؛ قاله النوويّ - رحمه الله - (٢).

وقوله: (وَيَدَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا، وَالْأُخْرَى ثَلَاثًا) [إن قيل]: إن هذه الرواية تعارض ما سبق من روايات حديث عبد الله بن زيد - رضي الله عنه -، حيث إن فيها أنه غسل يديه مرتين مرّتين، وهذه فيها أنه غسلهما ثلاثًا، فكيف التوفيق؟.

[قلت]: يجاب بأنه لا تعارض بين الروايات؛ لأنه يمكن حملُ هذه الرواية على أنها بيان لصفة أخرى، توضّأها عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - في وقت آخر، كما رأى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يتوضّأ أيضًا كذلك، ومما يؤيّد هذا اختلاف الطريق، فإن هذه من طريق واسع بن حبّان، عن عبد الله بن زيد، بخلاف الروايات السابقة، كما مرّ إيضاحه، فتنبّه، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

وقوله: (بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدِهِ) وفي بعض النسخ: "يديه"، قال النوويّ - رحمه الله -: معناه أنه مسح الرأس بماء جديدٍ، لا ببقية ماء يديه، ولا يُسْتَدَلّ


(١) "شرح النوويّ" ٣/ ١٢٤.
(٢) "شرح النوويّ" ٣/ ١٢٤.