فظاهر هذا الحديث يدلّ على أن تكفير جميع الذنوب بالصلاة.
ويؤيّد الثاني ما تقدّم للمصنّف برقم (٢٢٩) من حديث عثمان - رضي الله عنه -، قال - بعد أن توضّأ -: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ مثل وضوئي هذا، ثم قال:"من توضأ هكذا، غُفِر له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة".
فإن هذا ظاهر في تكفير الوضوء جميع ذنوبه.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: يُمكن أن يُجمع بين هذه الأحاديث باختلاف الأحوال والأشخاص، فربّ شخص يكون إخلاصه ومراقبته لله عز وجل أتمّ، فتكفّر ذنوبه بوضوئه، وتكون صلاته ومشيه إلى المسجد في زيادة الدرجات، وربّ شخص لا يكون كذلك، فيكون تمام تكفير ذنوبه بالوضوء والصلاة، والله تعالى أعلم بالصواب.
٧ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ - رحمه الله -: قد استدلّ به أبو حنيفة رحمه الله على نجاسة الماء المستعمل، ولا حجة له فيه، وعند مالك أن الماء المستعمل طاهرٌ مطهّرٌ، غير أنه يُكره استعماله مع وجود غيره؛ للخلاف فيه، وعند أصبغ بن الفرج أنه طاهرٌ غير مطهّر، وقيل: مشكوك فيه، فيُجمع بينه وبين التيمّم، وقد سمّاه بعضهم ماء الذُّنُوب.
قال الجامع عفا الله عنه: الصحيح أن الماء المستعمل طاهرٌ مطهِّرٌ؛ لأن الله تعالى قال:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}، ولا يزال عنه اسم الطهوريّة إلا بنجاسة، جاء النصّ، أو الإجماع بها، وقد حقّقت المسألة في "شرح النسائيّ"، وسأحقّقها أيضًا هنا في الموضع المناسب لها - إن شاء الله تعالى -.
[تنبيهٌ]: أخرج الإمام مالك - رحمه الله - هذا الحديث في "الموطّأ"(٥٥) مرسلًا، فقال (١): وحدّثني عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصُّنابحيّ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا توضأ العبد المؤمن، فتمضمض خرجت الخطايا من فيه، وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا
(١) القائل: "وحدّثني عن مالك" هو عبيد الله بن يحيى بن يحيى الليثيّ، راوي "الموطّأ" عن أبيه.