للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأُورد: كيف يتمنّى رؤيتهم، وهو حيّ، وهم حينئذ في علم الله تعالى، لا وجود لهم في الخارج، والمعدوم لا يُرى، وأيضًا هو من تمنّي ما لا يكون؛ لأن عمره لا يمتدّ حتى يرى آخرهم؟.

وأُجيب: بأن الرؤية بمعنى العلم، وهو يتعلّق بالمعدوم، أو رؤية تمثيل، بمعنى أن يُمثّلوا له كما مُثّلت له الجنّة في عُرْض الحائط، أو أن هذا من رؤية الكون كما زُويت له الأرض حتى رأى مشارقها ومغاربها؛ كرامةً من الله له.

وأُورد أيضًا على أن المراد بعد الموت: أنه يلزم منه تمنّي الموت، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يتمنّيَنّ أحدكم الموت".

وأُجيب: بمنع الملزوميّة، وإن سُلّمت فالمنع لِمَا قال: "لِضُرّ نزل به".

قال الأبيّ رحمهُ اللهُ: وهذا كلّه على أنه تَمَنٍّ حقيقيّ، وقد لا يكون حقيقةً، وإنما هو تشريفٌ لقدر أولئك الإخوان. انتهى (١).

(فَقَالُوا) أي الصحابة الحاضرون المخاطبون بهذا الكلام (كَيْفَ تَعْرِفُ) بالبناء للفاعل، والفاعل ضمير النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أي كيف تعرف يوم القيامة (مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ) "من" موصولة مفعول "تَعرِف"، و"بعدُ" مبنيّ على الضمّ كسابقه، أي من يولد بعد وفاتك، أو وُلد ولكن لم تره في الدنيا، قال السنديّ رحمهُ اللهُ: كأنهم فَهِموا من تمنّي الرؤية، وتسميتهم باسم الأخوّة دون الصحبة أنه لا يراهم في الدنيا، فإن ما يُتمنَّى عادةً لا يمكن حصوله، ولو حصل اللقاء في الدنيا لكانوا صحابةً، وفَهِموا من قوله: "وأنا فَرَطهم" أنه يَعرِفهم في الآخرة، فسألوه عن كيفيّة ذلك. انتهى (٢). (مِنْ أمّتِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - مجيبًا عن سؤالهم هذا ("أَرَأَيْتَ) أي أخبرني، والخطاب مع كلّ من يصلح له من الحاضرين، أو السائلين، وقد تقدّم تحقيق البحث في هذه الكلمة (لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ) "الخيل" أُنثى، ولا واحد لها من لفظها، والجمع خُيُول، وسُمّيت بذلك؛ لاختيالها، وهو إعجابها بنفسها مَرَحًا؛ قاله الفيّومي (٣). (غُرٌّ) بضمّ الغين


(١) "شرح الأبيّ" ٢/ ٢٨.
(٢) "شرح السنديّ على النسائيّ" ١/ ٩٤ - ٩٥.
(٣) "المصباح المنير" ١/ ١٨٦.