للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[تنبيه]: التعبير في بعض روايات الحديث بالسنة بدل الفطرة يراد بها الطريقة، لا التي تقابل الواجب، وقد جَزَم بذلك الشيخ أبو حامد، والماورديّ، وغيرهما، وقالوا: هو كالحديث الآخر: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين".

وأغرب القاضي أبو بكر بن العربيّ، فقال: عندي أن الخصال الخمس المذكورة في هذا الحديث كلها واجبةٌ، فإن المرء لو تركها لم تبق صورته على صورة الآدميين، فكيف من جملة المسلمين! كذا قال في "شرح الموطأ".

وتعقّبه أبو شامة بأن الأشياء التي مقصودها مطلوب لتحسين الخلق، وهي النظافة لا تحتاج إلى ورود أمر إيجاب للشارع فيها؛ اكتفاءً بدواعي الأنفس، فمجرد الندب إليها كافٍ.

ونقل ابن دقيق العيد عن بعض العلماء أنه قال: دَلّ الخبر على أن الفطرة بمعنى الدين، والأصل فيما أضيف إلى الشيء أنه منه أن يكون من أركانه، لا من زوائده، حتى يقوم دليل على خلافه، وقد وَرَدَ الأمر باتباع إبراهيم عليه السلام، وثبت أن هذه الخصال أُمر بها إبراهيم عليه السلام، وكلُّ شيء أَمر الله باتباعه فهو على الوجوب لمن أمر به.

وتُعُقِّب بأن وجوب الاتّباع لا يقتضي وجوب كل متبوع فيه، بل يتم الاتّباع بالامتثال، فإن كان واجبًا على المتبوع كان واجبًا على التابع، أو ندبًا فندب، فيتوقف ثبوت وجوب هذه الخصال على الأمة على ثبوت كونها كانت واجبة على الخليل عليه السلام، ذكر هذا كلّه في "الفتح" (١).

قال الجامع عفا الله عنه: سيأتي تحقيق ما هو الواجب من هذه الخصال، وما هو غير الواجب منها، عند تفصيل كلّ خصلة في المسائل الآتية - إن شاء الله تعالى -.

[تنبيه آخر]: اختُلِف في النكتة في الإتيان بهذه الصيغة - أعني "خمس من الفطرة" - فقيل: لرفع الدلالة، وأن مفهوم العدد ليس بحجة، وقيل: بل كان أُعْلِم أوّلًا بالخمس، ثم أُعلِم بالزيادة، وقيل: بل الاختلاف في ذلك بحسب


(١) ١٠/ ٣٥٢.