للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأئمة، وأما ما ذُكر عنه أنه لم يسمع من أنس إلا مقدار ما ذُكر، وسمع الباقي من ثابت عنه، فأكثر ما في بابه أن بعض ما رواه عن أنس يُدَلّسه، وقد سمعه من ثابت. وقال النسائيّ: ثقة. وقال ابن سعد: كان ثقةً، كثير الحديث، إلا أنه ربما دلس عن أنس. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: هو الذي يقال له: حميد بن أبي داود، وكان يدلس، سمع من أنس ثمانية عشر حديثًا، وسمع من ثابت البناني، فدلس عنه. وقال أبو بكر البرديجي: وأما حديث حميد فلا يُحتجّ منه إلا بما قال: حدثنا أنس. وقال الحافظ أبو سعيد العلائي: فعلى تقدير أن تكون أحاديث حميد مُدَلَّسةً، فقد تبيّن الواسطة فيها، وهو ثقة صحيح (١).

وقال الحافظ: رواية عيسى بن عامر أن حميدًا إنما سمع من أنس خمسة أحاديثَ قول باطلٌ، فقد صرّح حميد بسماعه من أنس بشيء كثير، وفي "صحيح البخاري" من ذلك جملة، وعيسى بن عامر ما عرفته، وحكاية سفيان عن دُرُست ليست بشيء، فإن دُرُست هالك، وأما ترك زائدة حديثه فذاك لأمر آخر؛ لدخوله في شيء من أمور الخلفاء. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الحقّ ما قاله الحافظ العلائيّ، فأحاديث حميد كلها صحيحة؛ لأنه على تقدير أنه لم يسمع بعضها عن أنس، فقد عُرف من دلّس عنه، وهو ثابتٌ البنانيّ، وهو ثقة جليل، فتبيّن أن تدليسه لا يضرّ.

وبهذا يُردّ على الحافظ في عدّه حميدًا الطويل من أهل الطبقة الثالثة من مراتب المدلّسين، وهم الذين أكثروا من التدليس، فلم يُحْتَجّ بهم إلا إذا صرّحوا بالسماع، والحقّ أنه ممن يُقبل تدليسه؛ لكونه لا يدلّس إلا عن ثقة.

وبه يتبيّن أيضًا أن قول ابن حبّان: "إنه لا يوجد في الدنيا من يُدلس عن ثقة غير سفيان بن عيينة" غير صحيح، فقد ثبت عن حميد الطويل أنه لا يدلس إلا عن ثقة، فافهم هذا، فإنه مهمّ جدًّا، والله تعالى أعلم.


(١) أي صحيح الحديث.
(٢) راجع "تهذيب التهذيب" ١/ ٤٩٣ - ٤٩٤.