اشتدّت خرج المني دون المذي والبول، كحالة الاحتلام. انتهى (١).
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله -: الصحيح أن المنيّ طاهر، كما هو مذهب الشافعيّ، وأحمد في المشهور عنه، وأما كون عائشة - رضي الله عنها - تغسله تارةً من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتفركه تارةً، فهذا لا يقتضي تنجيسه، فإن الثوب يُغسل من المخاط، والبصاق، والوسخ، وهذا قاله غير واحد من الصحابة، كسعد بن أبي وقّاص، وابن عبّاس، وغيرهما - رضي الله عنهم -: إنما هو بمنزلة البصاق، والمخاط، أَمِطه عنك ولو بإذخِرَة، وسواء كان الرجل مستنجيًا، أو مستجمرًا، فإن منيّه طاهرٌ، ومن قال: إن منيّ المستجمر نجسٌ؛ لملاقاته رأس الذكر، فقوله ضعيفٌ، فإن الصحابة - رضي الله عنهم - كان عامّتهم يستجمرون، ولم يكن يستنجي بالماء منهم إلا القليل جدًّا، بل الكثير منهم لا يَعرِف الاستنجاء، بل أنكروه، والحقّ ما هو عليه، ومع هذا فلم يأمر النبيّ - صلي الله عليه وسلم - أحدًا منهم بغسل المنيّ، ولا فركه. انتهى كلام شيخ الإسلام - رحمه الله -.
قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق من بيان المذاهب، وأدلّتها في حكم المنيّ أن الصحيح مذهب من قال بطهارته؛ لقوّة حججه.
ومن الأدلّة على طهارته عدم مبادرة النبيّ - صلي الله عليه وسلم - إلى إزالته، وتركه حتى ييبس، وما ذلك إلا لطهارته؛ لأن المعروف من هديه - صلى الله عليه وسلم - المبادرة في إزالة النجاسة، فقد أمر الصحابة - رضي الله عنهم - فور فراغ الأعرابيّ من بوله بصبّ الماء عليه، وبادر بنضح الماء على ثوبه فور بول الغلام الذي بال في حجره، وغير ذلك.
وقد أطلت البحث في تحقيقه في "شرح النسائيّ"، فراجعه تستفد علمًا جمًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيهان]:
(الأول): أخرج البزّار، وأبو يعلى الموصليّ في "مسنديهما"، وابن عديّ في "الكامل"، والدارقطنيّ، والبيهقيّ، والعقيليّ في "الضعفاء"، وأبو نعيم في "الحلية" من حديث عمار بن ياسر - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلي الله عليه وسلم - مرّ بعمّار، فذكر قصّةً،