قال ابن المنذر: احتَجّ مَن جَعَلَ الأبوال كلها نجسة بأن أبوال بني آدم لَمّا كانت نجسةً، فأبوال البهائم أولى بذلك؛ لأن مأكول الآدميين، ومشروبهم يدخل حلالًا، ثم يتغير في الجوف، حتى يخرج نجسًا، فكان ما كان تَعْتَلِف البهائم، وتأكل السباع أولى بهذا؛ لأنها لا تتوقأ (١) ما تأكل.
قال ابن المنذر: ويلزم مَن جعل أبوال البهائم قياسًا على أبوال بني آدم، أن يجعل شعر بني آدم قياسًا على أصواف الغنم، وأوبار الإبل، وأشعار الأنعام، هذا إذا جاز أن يجعل أحد الصنفين قياسًا على الآخر، فإذا فَرَّقَ مُفَرِّق في غير هذا الباب بين بني آدم، والأنعام بفروق كثيرة، ومَنَعَ أن يُجعَل أحدهما قياسًا على الآخر، وَجَبَ كذلك في هذا الباب، أن لا يُجعَل أحد الصنفين قياسًا على الآخر، والأخبار الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دالةٌ على طهارة أبوال الإبل، ولا فرق بين أبوال الإبل، وبين أبوال البقر والغنم.
ثم أخرح بسنده عن أنس - رضي الله عنه - أن أُناسًا من عُرَينة، قَدِموا المدينة، فأرسلهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في إبل الصدقة، وقال لهم:"اشرَبُوا من ألبانها وأبوالها"، متفقٌ عليه.
قال ابن المنذر: وهذا يدل على طهارة أبوال الإبل، ولا فرق بين أبوالها وأبوال سائر الأنعام، مع أن الأشياء على الطهارة حتى تَثْبُت نجاسة شيء منها بكتاب، أو سنة، أو إجماع.
فإن قال قائل بأن ذلك للعرنيين خاصّةً، قيل له: لو جاز أن يقال في شيء من الأشياء خاصّةٌ بغير حجة لجاز لكل من أراد فيما لا يوافق من السنن مذاهب أصحابه، أن يقول: ذلك خاصّ، وظاهر خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب، مُسْتَغْنًى به عن كل قول.
واستعمالُ الخاصة والعامة أبوال الإبل في الأدوية، وبيعُ الناس ذلك في أسواقهم، وكذلك الأَبْعَار تُباع في الأسواق، ومَرابضُ الغنم يُصَلَّى فيها، والسنن الثابتة دليل على طهارة ذلك، ولو كان بيع ذلك مُحَرَّمًا لأنكَرَ ذلك أهل
(١) هكذا نسخة "الأوسط"، ولعل الصواب: "لا تتوقّى"، فليُحرّر.