للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأيضًا فهو الذي يُقام له، ويَحْتَمِل أن تكون حاجته إلى أهله، ويُخبر بذلك ابنُ عبّاس عمن أخبره به من زوجات النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ويَقصد بذلك بيانَ أن الجنب لا يَجِب عليه أن يتوضّأ للنوم الوضوءَ الشرعيَّ، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: الصواب أن المراد بالحاجة هنا البول، فسيأتي مفسّرًا في "الصلاة" رقم (٧٦٣) من طريق شعبة، عن سلمة، عن كريب، عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - قال: "بتّ في بيت خالتي ميمونة، فبَقَيتُ (٢) كيف يُصلِّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فبال، ثم غسل وجهه، وكفّيه، ثم نام … " الحديث.

فتبيّن بهذا أن احتمال كون الحاجة حاجته إلى أهله غير صحيح، بل باطلٌ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يُتصوّر أن يفعل ذلك، وابن عبّاس نائم في عرض الوسادة.

وكذا احتمال أن يكون أخبره به إحدى زوجات النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كما قال القرطبيّ أيضًا - يُبطله ما صرّح به من كونه راقب بنفسه فعله - صلى الله عليه وسلم - حتى رأى ما فعله في تلك الليلة.

والحاصل أن الحاجة في هذا الحديث ليست الجنابة، وإنما هي البول، فليس فيه دلالة على جواز نوم الجنب من دون أن يغتسل، أو يتوضّأ وضوء الصلاة، فمن فهم منه ذلك، فقد أبعد النُّجْعة، بل الذي يُفهم منه أنه يدلّ على أن طهارة من أراد أن ينام بعد البول ونحوه أن يغسل وجهه ويديه، ثم ينام، وإن كان الأكمل أن يتوضّأ وضوءه للصلاة، كما ثبت في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال: قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجِع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك .... " الحديث، متّفق عليه (٣).

قال النوويّ - رحمه الله -: والحكمة في غسل الوجه إذهاب النعاس، وآثار النوم، وأما غسل اليد، فقال القاضي: لعله كان لشيء نالهما. انتهى (٤).


(١) "المفهم" ١/ ٥٦٦.
(٢) بفتح القاف، يقال: بقاه بَقْيًا من باب رمى: رَصَده، أو نظر إليه، أفاده في: "القاموس".
(٣) صحيح البخاري ١/ ٩٧.
(٤) "شرح النوويّ" ٣/ ٢١٥.