للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"شرحه": هذا اللفظ يقتضى أن الحديث من مسند ابن عباس رضى الله عنهما، وكذلك الرواية التي بعده، وأما الأولى فمن مسند معاذ - رضي الله عنه - ووجه الجمع بينهما أن يكون ابن عباس سمع الحديث من معاذ - رضي الله عنه -، فرواه تارة عنه متصلًا، وتارة أرسله، فلم يذكر معاذًا - رضي الله عنه -، وكلاهما صحيح، كما قدمناه أن مرسل الصحابيّ إذا لم يُعْرَف المحذوف يكون حجةً، فكيف وقد عرفناه في هذا الحديث أنه معاذ - رضي الله عنه -.

ويحتمل أن ابن عباس سمعه من معاذ، وحضر القضية، فتارة رواها بلا واسطة؛ لحضوره إياها، وتارة رواها عن معاذ إما لنسيانه الحضور، وإما لمعنى آخر. والله تعالى أعلم. انتهى كلام النوويّ رحمه الله تعالى، وهو تحقيقٌ نفيس، وقد أسلفنا نحوه لابن الملقّن (١).

وقوله: "بمثل حديث وكيع" يعني أن حديث بشر بن السريّ، وأبي عاصم عن زكريّا بن إسحاق بمثل ألفاظ حديث وكيع عنه.

[تنبيه]: رواية بِشْرٍ وأبي عاصم اللتان أحالهما المصنف هنا على رواية وكيع أخرجهما أبو نعيم في "مستخرجه"، فقال: حدثناه أبو حامد، ثنا أبو بكر بن خزيمة، ثنا بُندار، ثنا أبو عاصم، ثنا زكريّا بن إسحاق … الحديث.

وأما حديث بشر بن السريّ، فحدثناه محمد بن إبراهيم بن عليّ، ثنا إسحاق بن أحمد الْخُزَاعىّ القارئ، ثنا محمد بن أبي عمر، ثنا بشر بن السريّ، ثنا زكريّا بن إسحاق، عن يحى بن عبد الله بن صيفيّ، عن أبي معبد، عن ابن عبّاس: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ معاذ بن جبل إلى اليمن، فقال: "إنك ستأتي قومًا أهل الكتاب، فإذا لقيتهم، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن عليهم خمسَ صلوات في يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم، وتُردّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتّق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب" (٢). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


(١) "شرح مسلم" للنوويّ ١/ ١٩٨.
(٢) "المسند المستخرج" ١/ ١١٤.