للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والأولياءُ فعرفوه معرفة جيدةً، ولكنها دون معرفة الأنبياء، ثم المؤمنون العالمون بَعْدَهُم، ثم الصالحون دونهم، فالناس في معرفة ربهم متفاوتون، كما أن إيمانهم يزيد وينقص، بل وكذلك الأمة في الإيمان بنبيهم، والمعرفة له على مراتب، فأرفعهم في ذلك أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - مثلًا، ثم عددٌ من السابقين، ثم سائر الصحابة، ثم علماء التابعين، إلى أن تنتهي المعرفة به، والإيمان به إلى أعرابي جاهل، وامرأة من نساء القُرَى، ودون ذلك، وكذلك القول في معرفة الناس لدين الإسلام، انتهى كلام الحافظ الذهبيّ رحمه الله تعالى (١)، وهو تحقيقٌ نفيس، وبحثٌ أنيس، والله تعالى أعلم.

وقوله: (فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم)، قال النوويّ رحمه الله تعالى: قد يُسْتَدَل بلفظة "من أموالهم" على أنه إذا امتنع من الزكاة، أُخِذت من ماله بغير اختياره، وهذا الحكم لا خلاف فيه، ولكن هل تبرأ ذمته، ويَجزِيه ذلك في الباطن، فيه وجهان لأصحابنا - يعني الشافعيّة - انتهى (٢).

وقوله: (فتردّ على فقرائهم) قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: فيه دليلٌ لمالك على أن الزكاة لا تجب قسمتها على الأصناف المذكورين في الآية، وأنه يجوز للإمام أن يَصرفها إلى صنف واحد من الأصناف المذكورين في الآية، إذا رآه نظرًا ومصلحةً دينيّةً، وسيأتي هذا البحث مستوفًى في "كتاب الزكاة" - إن شاء الله تعالى.

وفيه دليلٌ لمن يقول: يدفعها من وجبت عليه للإمام العدل الذي يضعها مواضعها، ولا يجوز لمن وجبت عليه أن يلي تفرقتها بنفسه إذا أقام الإمام من تُدفع إليه.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي في هذا الاستدلال نظر، والذي يظهر لي أنه لا وجوب في ذلك إلا لموجب طارئ، كأن يكون الإمام ألزم أرباب الأموال الدفع إليه، وسنعود لاستيفاء البحث في موضعه - إن شاء الله تعالى -.

وقوله: (وتوقّ كرائم أموالهم)، أي احذر من أخذ خيار أموالهم،


(١) "سير أعلام النبلاء" ١٧/ ٥٤٦ - ٥٤٨.
(٢) "شرح مسلم" ١/ ٢٠٠.