للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قتيبة: إنما هو "قُرْضةً من مَسْك"، بقاف مضمومة، وضاد معجمة، و"مَسْك" بفتح الميم، أي قطعة من جلد، وهذا كله ضعيفٌ، والصواب ما قدمناه، وتدلّ عليه الرواية الأخرى المذكورة في الكتاب: "فِرْصة مُمَسَّكةً"، وهي بضم الميم الأولى، وفتح الثانية، وفتح السين المشدَّدة، أي قطعة من قُطْن، أو صوف، أو خرقة مُطَيَّبة بالمسك. انتهى كلام النوويّ رحمه الله (١).

وقد أشبعت الكلام في هذا في "شرح النسائيّ"، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.

(فَتَطَهَّرُ بِهَا)، أي تنظّفي بتلك الفِرْصة المطيّبة بالمسك، وفي رواية للنسائيّ: "فتوضئي بها"، والمعنى واحد، والمراد تنظيف المحلّ من أثر الرائحة الكريهة، فتمسح محلّ الدم بها.

ولَمّا قال لها: "تطهّري" ظنّت أنه يريد التطهّر الشرعيّ، فاستغربت ذلك، واستفهمت (قَالَتْ: كَيْفَ أتطَهَّرُ بِهَا؟) "كيف" في محلّ نصب على الحال، وجملة "أتطهّر" مقول القول، ولا يجوز نصب "كيف" بـ "قال"؛ لأن اسم الاستفهام لا يَعمَل فيه ما قبله، أي قالت: على أيّ حالة أتطهّر بتلك الفرصة، (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - (تَطَهَّرِي بِهَا، سُبْحَانَ اللهِ)، وفي نسخة: "وسبحان الله" بالواو، وإنما سبّح تعجّبًا من عدم فهمها معنى كلامه، قال النوويّ رحمه الله: قد قدَّمنا أن "سبحان الله" في هذا الموضع وأمثاله يراد بها التعجب، وكذا "لا إله إلا الله"، ومعنى التعجب هنا: كيف يَخْفَى مثل هذا الظاهر الذي لا يَحتاج الإنسان في فهمه إلى فكر؟ انتهى (٢).

(وَاسْتَتَرَ) - صلى الله عليه وسلم -، أي استحياءً من أن واجهها بذكر ما يُستحيا منه عادةً؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان أشدّ حياءً من العذراء في خِدْرها.

قال عمرو الناقد: (وَأَشَارَ لَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ بِيَدِهِ عَلَى وَجْهِهِ) أي مبيّنًا كيفيّة استتاره - صلى الله عليه وسلم - (قَالَ) الراوي، والظاهر أنه عمرو الناقد، كما يشير إليه قوله فيما تقدّم: "قال عمرو: حدَّثنا سفيان إلخ" (قَالَتْ عَائِشَةُ) - رضي الله عنها - (وَاجْتَذَبْتُهَا إلَيَّ) أي مددتها، وهو افتعال من جذب، من باب ضرب: إذا مدّ (وَعَرَفْتُ مَا أَرَادَ


(١) "شرح النوويّ" ٤/ ١٤.
(٢) شرح النوويّ" ٤/ ١٤.