للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً) بضمّ العين المهملة: جمع عار، كقاض وقُضاة، وانتصابه على الحال من الواو.

ثم إن ظاهره أن ذلك كان جائزًا في شرعهم، وإلا لَمَا أقرّهم موسى عليه السلام عليه السلام على ذلك، وكان هو عليه السلام يغتسل وحده؛ أخذًا بالأفضل، وأغرب ابن بطّال، فقال: هذا يدلّ على أنهم كانوا عُصاةً له، وتبعه على ذلك القرطبيّ، فأطال في ذلك، قاله في "الفتح" (١).

وقال في "العمدة": [فإن قلت]: كشف العورة حرام في حقّ غير الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - فكيف الذي حصل من موسى عليه السلام؟.

[قلت]: ذاك في شرعنا، وأما في شرعهم فلا، والدليل عليه أنهم كانوا يغتسلون عُرَاةً، وموسى - صلى الله عليه وسلم - يراهم، لا يُنكر عليهم، ولو كان حَرَامًا لأنكره.

[فإن قلت]: إذا كان كذلك فلم كان موسى عليه السلام ينفرد في الخلوة عند الغسل؟.

[قلت]: إنما كان يفعل ذلك من باب الحياء، لا أنه كان يجب عليه ذلك، ويَحْتَمل أنه كان عليه إزار رقيق فظهر ما تحته لَمّا ابتل بالماء فرأوا أنه أحسن الخلق فزال عنهم ما كان في نفوسهم. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الاحتمال فيه نظرٌ، وسيأتي في كلام الحافظ ما يُبعده، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

(يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى سَوْأَةِ بَعْضٍ) "السَّوْءَة" بفتح، فسكون: العورة، وهي فرج الرجل والمرأة، والتثنية سَوْءتان، والجمع سوآتٌ، سُمِّيت سَوْءَةً، لأن انكشافها للناس يسُوءُ صاحبها، قاله الفيّوميّ (٣).

وجملة "ينظر … إلخ" حال من فاعل "يغتسلون" أيضًا.

(وَكَانَ مُوسَى عليه السلام يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ) منصوب على الحال بتأويله بـ "منفردًا"، كما قال في "الخلاصة":

وَالْحَالُ إِنْ عُرِّفَ لَفْظًا فَاعْتَقِدْ … تَنْكِيرَهُ مَعْنًى كـ "وَحْدَكَ اجْتَهِدْ"


(١) ١/ ٤٦٠.
(٢) "عمدة القاري" ٣/ ٣٤٢.
(٣) "المصباح المنير" ١/ ٢٩٨.