للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

و"أرأيت" معناها: أخبرني، كما مرّ آنفًا، وذلك عن طريق مجازين:

[أحدهما]: في همزة الاستفهام بإرادة مطلق الطلب بدلًا من طلب الفهم.

[والثاني]: في الرؤية بإرادة المسبّب عنها، وهو الإخبارُ، فال الأمر إلى طلب الإخبار المدلول عليه بلفظ "أخبِرْني".

وجملة "يُعْجَلُ" في محلّ نصب على الحال، وفي الكلام مضافان محذوفان، والمعنى: أخبرني عن حكم الرجل يضطرّ إلى العَجَلة والإسراع عن جماع امرأته (١)، والله تعالى أعلم.

(عَنِ امْرَأَتِهِ)، أي عن جماعها، وهو متعلّق بـ "يُعْجَلُ" (وَلَمْ يُمْنِ) بضمّ أوله، وإسكان الميم، وكسر النون، من الإمناء رباعيًّا، وهذه هي اللغة الفصيحة، وبها جاء القرآن الكريم، قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} الآية [الواقعة: ٥٨]، وفيه لغة ثانية، "يَمْنِ" بفتح أوّله، مضارع منَي، كرمَى ثلاثيًّا، ولغة ثالثةٌ، "يُمَنِّ" بضمّ الياء، مع فتح الميم، وتشديد النون، مضارع مَنّي، كزَكّى.

يقال: أمنى ومَنَى ومَنَّى ثلاث لغات حكاها أبو عمرو الزاهد، والأولى أفصح وأشهر وبها جاء القرآن قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ}.

فتحصل مما سبق أن فيها ثلاث لغات، تقول: مَنَى الرجل بالتخفيف، كرَمَى، وأمنى بالألف، ومنّى بالتشديد: إذا خرج منيّه، و"الْمَنِي"، كغنيّ، ويُخفّف، والْمَنْيةُ، كرَمْيَةٍ: ماء الرجل والمرأة، جمعه: مُنْيٌ، كقُفْلٍ (٢).

(مَاذَا عَلَيْهِ؟)، أي ما الذي يجب عليه من أنواع الطهارة، هل الاغتسال، أم يكفيه الوضوء؟ (قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ")، أي الغسل من خروج المنيّ، فالمراد بالماء الأول ماء الغسل، وبالثاني: المنيّ، فـ "أل" فيه للعهد الذهنيّ، وفيه الجناس التامّ، و"من" سببيّةٌ.

والمعنى: لأن وجوب الغسل بسبب إنزال المنيّ، والقصر المستفاد من "إنما" قصر إفراد، أي إثبات حكمٍ لشيء، ونفيه عن شيء آخر؛ لأن المخاطب


(١) راجع: "فتح المنعم" ٢/ ٣٧٦.
(٢) راجع: "القاموس المحيط" مع ما كُتب في هامشه ٤/ ٣٩١.