الحديث، وهي أن مَن تيقن الطهارة، وشكّ في الحدث يُحكَم ببقائه على الطهارة، سواء حَصَل الشك في الصلاة أو خارجها، وهذا بالإجماع بين الفقهاء، إلا عن مالك، فله روايتان: إحداهما: أنه يلزمه الوضوء، إن كان شكه خارج الصلاة، ولا يلزمه إن كان في الصلاة، والأخرى يلزمه بكل حال، وحُكِيت الأولى عن الحسن البصريّ، وهو وجه شاذّ عند الشافعية، ذكره الرافعيّ، والنوويّ في "الروضة"، وحُكِيت الثانية أيضًا وجهًا للشافعية، وهو غريب، وعن مالك رواية ثالثة، رواها ابن قانع عنه، أنه لا وضوء عليه، كما قاله الجمهور، وحكاها ابن بطال عنه.
ونَقَل القاضي، ثم القرطبيّ، عن ابن حبيب المالكيّ أن هذا الشك في الريح دون غيره من الأحداث، وكأنه تبع ظاهر الحديث، واعتَذَر عنه بعض المالكية بأن الريح لا يتعلق بالمحلّ منه شيء، بخلاف البول والغائط، ولا يخفى ما فيه، وعن بعض أصحاب مالك أنه إن كان الشك في سبب حاضر، كما في الحديث طرح الشك، وإن كان في سبب متقدم فلا.
وأما إذا تيقن الحدث، وشكّ في الطهارة، فإنه يلزمه الوضوء بالإجماع، وعلى هذا الأصل من شكّ في طلاق زوجته، أو عتق عبده، أو نجاسة الماء الطاهر، أو طهارة النجس، أو نجاسة الثوب، أو غيره، أو أنه صلى ثلاثًا أو أربعًا، أو أنه ركع، أو سجد أم لا، أو نَوَى الصوم أو الصلاة، أو الاعتكاف، وهو في أثناء هذه العبادات، وما أشبه هذه الأمثلة، فكل هذه الشكوك لا تأثير لها، والأصل عدم الحادث.
وقالت الشافعية: تُسْتَثنَى من هذه القاعدة بضع عشرة مسألةً:
(منها): من شك في خروج وقت الجمعة قبل الشروع فيها، قيل: أو فيها، ومن شك في ترك بعض وضوء، أو صلاة بعد الفراغ، لا أثر له على الأصح.
(ومنها): عَشْرٌ ذَكَرهُنّ ابن القاصّ - بتشديد الصاد المهملة المشدّدة - من الشافعية (١): الشكّ في مدة خُفّ، وأنّ إمامه مسافر، أو وَصَل وطنه، أو نوى
(١) هو أحمد بن أبي أحمد إمام جليل، توفّي بطرسوس سنة (٣٣٥ هـ). "المجموع" (١/ ١٤٣).