للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَقَالَ عُمَرُ) - رضي الله عنه - (اتَّقِ اللهَ يَا عَمَّارُ) أي خَفِ الله تعالى فيما تروي، وتَثَبَّت فيه، فلعلّك نَسِيتَ، أو اشتبه عليك (قَالَ) عمّار - رضي الله عنه - (إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ) وفي الرواية الآتية من طريق النضر، عن شعبة: "قال عمّار: يا أمير المؤمنين إن شئتَ لِما جعل الله عليّ من حقّك لا أحدّث به أحدًا"، والمعنى: إن رأيتَ عدم تحديثي بذلك مصلحةً، لم أحدّث به؛ لأن طاعتك واجبة في غير المعصية.

قال النوويّ - رحمه الله -: ويحتمل أنه أراد: إن شئت لم أحدّث به تحديثًا شائعًا بحيث يشتهر في الناس، بل لا أحدّث به إلا نادرًا. انتهى (١)، وفيه بعدٌ، والله تعالى أعلم.

[فإن قلت]: كيف جاز لعمّار - رضي الله عنه - عدم التحديث مع أنه متيقِّنٌ في حفظه، ومن تيقَّنَ حفظ السنّة وجب عليه تبليغها، ولو منعه من تجب طاعته؟.

[أجيب]: بأن التبليغ حَصَلَ حينما ذَكَّرَ به عمر - رضي الله عنه -، مع وجود الحاضرين في مجلسه، فإذا أمسك بعد ذلك لا يكون كاتمًا للعلم، وتاركًا لامتثاله أمره - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "بلّغوا عنّي ولو آية"، رواه البخاريّ، وقوله: "وليبلّغ الشاهد الغائب"، متّفقٌ عليه.

والحاصل أن السنّة بلّغها عمّار - رضي الله عنه -، وحفظها عمر، والقوم الحاضرون ذلك المجلس، ولذا نقلوها لمن بعدهما، كما في حديث الباب، والله تعالى أعلم.

(قَالَ الْحَكَمُ) بن عُتيبة بالسند الماضي، وليس معلّقًا (وَحَدَّثَنِيهِ) عطف على مقدّر، أي حدّثني ذرّ بهذا، وحدّثني سعيد (ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ) عبد الرحمن (مِثْلَ حَدِيثِ ذَرٍّ) غرض الحكم بهذا أنه كما حدّثه ذرّ بن عبد الله بهذا الحديث عن سعيد بن عبد الرحمن، عن أبيه، حدّثه أيضًا سعيد نفسه عن أبيه دون واسطة ذرّ.

قال في "الفتح": والظاهر أنه سمعه من ذرّ عن سعيد، ثم لَقِي سعيدًا، فأخذه عنه، وكأن سماعه له من ذرّ كان أتقن، ولهذا أكثر ما يجيء في


(١) "شرح النوويّ" ٤/ ٦٣.