جالسٌ، ثم يُصلّي ولا يتوضّأ"، وروى البيهقيّ وغيره معناه عن ابن عبّاس، وزيد بن ثابت، وأبي هريرة، وأبي أُمامة - رضي الله عنهم -.
والحاصل أن أرجح المذاهب مذهب من قال: إن نوم الجالس الممكّن مقعدته لا ينقض الوضوء؛ للأدلّة المذكورة، وبهذا تجتمع الأدلّة في هذا الباب، وقد أشبعت البحث في هذا في "شرح النسائيّ" (١)، فراجعه تستفد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: قال النوويّ - رحمه الله -: اتَّفَقوا على أن زوال العقل بالجنون والإغماء والسكر بالخمر، أو النبيذ، أو البنج، أو الدواء، ينقض الوضوء، سواءٌ قَلَّ أو كثر، وسواء كان مُمَكِّن المقعدة أو غير ممكنها، قال أصحابنا: وكان من خصائص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لا ينتقض وضوؤه بالنوم مضطجعًا؛ للحديث الصحيح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى سمعتُ غَطِيطه، ثم صلى ولم يتوضأ. انتهى.
[تنبيه آخر]: قال النوويّ أيضًا: قال الشافعيّ، والأصحاب: لا ينقض الوضوء بالنعاس، وهو السِّنَة، قالوا: وعلامة النوم أن فيه غلبة على العقل، وسقوط حاسة البصر، وغيرها من الحواسّ، وأما النعاس فلا يَغلِب على العقل، وإنما تفتر فيه الحواسّ من غير سقوطها، ولو شكّ هل نام أم نَعَسَ؟ فلا وضوء عليه، ويستحب أن يتوضأ، ولو تيقن النوم، وشَكّ هل نام ممكن المقعدة من الأرض أم لا؟ لم ينقض وضوؤه، ويستحب أن يتوضأ، ولو نام جالسًا، ثم زالت ألْيتاه أو إحداهما عن الأرض، فإن زالت قبل الانتباه انتَقَض وضوؤه؛ لأنه مَضَى عليه لحظةٌ وهو نائم، غير مُمَكِّن المقعدة، وإن زالت بعد الانتباه، أو معه، أو شَكّ في وقت زوالها لم ينتقض وضوؤه، ولو نام ممكّنًا مقعدته من الأرض، مستندًا إلى حائط أو غيره لم ينتقض وضوؤه، سواء كانت بحيث لو رُفِع الحائط لسقط، أو لم يكن، ولو نام مُحْتَبِيًا ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا: أحدها: لا ينتقض كالمتربِّع، والثاني: - ينتقض
(١) راجع: "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" ٣/ ٣٤٤ - ٣٤٩.