للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال القاضي عياض وغيره: ورواه بعضهم إِعناقًا بكسر الهمزة: أي إسراعًا إلى الجنة، وهو من سَيْر الْعَنَق، و"الْعَنَق" بفتح العين والنون: ضَرْبٌ من السير، ومنه حديث: "لا يزال الرجل مُعْنِقًا ما لم يُصِب دمًا حَرَامًا" (١). انتهى (٢).

وقال البغويّ في "شرح السنّة": قال ابن الأعرابيّ: معناه: أكثرهم أعمالًا يقال: لفلان عُنُقٌ من الخير، أي قطعة، وقال غيره: أكثرهم رجاءً؛ لأن من رجا شيئًا طال إليه عُنُقه، فالناس يكونون في الكرب، وهم في الرَّوح يَشْرَئِبُّون لهم في دخول الجنّة، وقيل: معناه الدنوّ من اللَّه عزَّ وجلَّ، وقيل: أراد أنه لا يُلجمهم الْعَرَق، فإن الناس يوم القيامة يكونون في الْعَرَق بقدر أعمالهم، فمنهم من يأخذه إلى كعبه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى حِقْويه، ومنهم من يُلْجِمه العَرَقُ، وقيل: معناه أنهم يكونون رؤوسًا يومئذ، والعرب تصف السادة بطول العنق، وقيل: الأعناق: الجماعات، يقال: جاءني عُنُق من الناس؛ أي جماعة، ومنه قوله سبحانه وتعالى: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: ٤]؛ أي جماعاتهم، ولذلك لم يَقُل: خاضعات، ومعنى الحديث: أن جمع المؤذّنين يكونون أكثر، فإن من أجاب دعوته يكون معه. انتهى كلام البغويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٣).

وقال ابن حبّان -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "صحيحه": العرب تصف باذلَ الشيء الكثير بطول اليد، ومتأمّل الشيء الكثير بطول العنق، فقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المؤذّنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة" يريد أطولهم أعناقًا لتأمّل الثواب، كما قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لنسائه: "أسرعكنّ بي لُحوقًا أطولكنّ يدًا"، أراد كثرة الصدقة، فكانت زينب أولهنّ لُحوقًا به -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنها كانت كثيرة الصدقة، وليس يريد بقوله هذا أن


= بكل جبار عَنِيد، وبكل مَن دعا مع اللَّه إلهًا آخر، وبالمصورين".
(١) حديث صحيح، أخرجه أبو داود في "سننه" (٤٢٧٠).
(٢) "شرح النوويّ" ٤/ ٩١ - ٩٢، و"المفهم" ٢/ ١٥.
(٣) "شرح السنّة" ٢/ ٢٧٧ - ٢٧٨.